أثار اقتراح وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (أونروا) بتفويض بعض الخدمات لمنظمات دولية أخرى تابعة للأمم المتحدة غضب الفلسطينيين الذين حذروا من مؤامرة ” لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين”.
ويربط الفلسطينيون على الدوام ما بين بقاء وكالة (أونروا) وبقاء حق العودة الى ديارهم قائما، وتأسست الوكالة في العام 1949 بقرار حمل رقم 302، وجاء بعد عام واحد على إنشاء دولة إسرائيل (يوم النكبة).
يقول محمد شحادة من المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومقره سويسرا، إن أونروا “لا تتعلق فقط بتقديم الخدمات”، مضيفا أن استمرار أونروا “تذكير بأن المجتمع الدولي يتحمّل مسؤولية حل قضية اللاجئين الفلسطينيين”.
واجهت الوكالة ولا زالت تواجه، أزمة تمويل، بعدما كانت تتلقى عشرات الملايين من الدولارات بشكل منتظم من جهات دولية عدة.
وتحدثت الناطقة الرسمية للوكالة الأممية تمارا الرفاعي عبر “المملكة”، عن “التفكير بشأن الطلب من وكالات أممية تقديم بعض الخدمات بالنيابة عن أونروا في حال تعذر التمويل للوكالة بهدف الحفاظ على جميع الخدمات المقدمة للاجئين وعدم التفريط بها، كما هو مضمن في التفويض الممنوح للوكالة”.
وقالت الرفاعي وهي أيضاً مديرة الاتصالات الاستراتيجية في أونروا، إن الموضوع “قيد الدراسة والنقاش الداخلي مع التأكيد على عدم تسليم الوكالة لأي خدمات، ولن يكون هناك أي مساس بحق اللاجئ بالحصول على خدمات تضمنها أونروا حتى لو قدمتها وكالة أممية أخرى بالنيابة عنها”.
للوهلة الأولى، يبدو إعلان مدير الوكالة فيليب لازاريني الشهر الماضي أن أونروا يمكنها أن تطلب من هيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة المساعدة في تقديم الخدمات، وكأنه خطة لتقاسم التكاليف.
لازاريني قال في بيان إن الاعتماد بشكل أساسي على “التمويل الطوعي من المانحين لن يكون معقولاً” للمضي قدمًا، مضيفا “أحد الخيارات التي يجري استكشافها حاليًا هو تعظيم الشراكات داخل منظومة الأمم المتحدة الأوسع”.
ورأى الفلسطينيون في هذه التصريحات بمثابة “صفعة مدمرة” محتملة لمهمة أونروا.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إن الخطة “تنتهك” قرارات الأمم المتحدة التي أنشأت أونروا ، في حين قالت منظمة التحرير الفلسطينية إن تطبيق ذلك سيثير ردود فعل غاضبة بين الفلسطينيين.
ووصف المسؤول البارز في حركة حماس محمد المدهون الاقتراح بأنه “محاولة لتفكيك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين تمهيدا لإنهاء عملها”.
فجوات الميزانية
وتتولى وكالة اونروا تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية والتربوية لنحو 5.7 ملايين لاجئ فلسطيني موزعين على مخيمات في سوريا والأردن ولبنان إضافة الى مخيمات الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
ويقوم بهذه الخدمة نحو 30 ألف موظف بميزانية تقدر بحوالي 1.6 مليار دولار هذا العام.
وإثر نشوب الأزمة بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأميركية في عهد الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب بسبب رفض الفلسطينيين الانضمام الى خطة ترامب لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أوقف ترامب مساهمة الولايات المتحدة في ميزانية الوكالة، والبالغة حوالى 235 مليون دولار سنويا.
لكن على الرغم من عودة المساهمة الأميركية مع الرئيس جو بايدن، لا تزال الوكالة تعاني من نقص كبير في التمويل. وحذّر لازاريني في تشرين الثاني/نوفمبر من أن أونروا تواجه “تهديدًا وجوديًا” بسبب فجوات الميزانية.
“ضوء أخضر”
ويرى رئيس صندوق تنمية القدس المتخصص في الشؤون الإنسانية الفلسطينية سامر سنجلاوي أن اقتراح لازاريني جزئيًا محاولة لاختبار “النبض الفلسطيني” قبل تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2023 على تجديد التفويض المعطى لأونروا.
ويضيف لوكالة فرانس برس أن القرار أعطى أيضا “الضوء الأخضر” للدول التي تحاول “التلاعب بهذا التفويض والإنهاء التدريجي لعمل أونروا”.
واتهم لازاريني بالتخلي عن سلطته، مشيرا الى أن مهمة أونروا تنحصر في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن اللاجئين الفلسطينيين.
وتعرضت أونروا مرارا لانتقادات إسرائيلية، مع اتهامات بأنها أججت الصراع جزئيا من خلال تدريس رسائل معادية للصهيونية في مدارسها في المخيمات. ودافعت الوكالة بحزم عن مناهجها المدرسية، على الرغم من أن لازاريني أبلغ مشرعي الاتحاد الأوروبي العام الماضي أنه تتم “معالجة” القضايا الإشكالية في المناهج.
يقول المتحدث السابق باسم الوكالة كريس جانيس “حتى لو تمّ تفكيك أونروا أو تمّ توفير خدماتها، فإن لاجئي فلسطين يظلون بشرًا لهم حقوق غير قابلة للتصرف”.
ويشدّد على أنه في حين يمكن النظر إلى أي ضربة لمستقبل أونروا على أنها انتصار لإسرائيل، إلا أن ذلك لا يعني أن “اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة سوف يتبخرون بشكل سحري”.
لكن شحادة تقول إن أي “إلغاء لأولوية” الوكالة سينظر إليه على أنه يقلّل من أهمية “القضية الفلسطينية بشكل عام”.
“يأس وإحباط”
لازاريني تحدث في رسالته عن “تصاعد في حدة اليأس والإحباط” خلال اجتماعاته مع اللاجئين والموظفين في أقاليم عمل أونروا الخمسة خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي “تحول إلى غضب في بعض الأحيان”.
وأشار إلى “واقع مؤلم في السنوات العشر الماضية، وإلى نقص مزمن في تمويل أونروا “نتيجة لمزيج من تقلب الأولويات الجيوسياسية، والديناميات الإقليمية الجديدة، وظهور أزمات إنسانية جديدة، يفاقمها إعياء المانحين تجاه أحد أطول الصراعات التي تبقى بدون حل في العالم”.
“أدى كل ذلك إلى تراجع واضح في أولوية القضية الفلسطينية، بما في ذلك بين بعض المانحين من المنطقة العربية في الآونة الأخيرة، وفق لازاريني الذي قال إن أونروا “تتعرض أيضاً وبشكل متزايد لسياسات داخلية في بعض البلدان المانحة التقليدية. فالحملات المنسقة التي تقوم بها منظمات تهدف إلى نزع الشرعية عن الوكالة وسحب تمويلها وتقويض حقوق اللاجئين الفلسطينيين تتزايد في عددها وعدوانها”.
100 مليون دولار نقص سنوي منتظم
وقال لازاريني إن “النقص السنوي في ميزانية البرامج الأساسية يقترب بانتظام من 100 مليون دولار أميركي على مدى السنوات الماضية”.
وشدد المفوض العام على وجوب النظر “بواقعية إلى التنبؤات المالية والاعتراف بأن الاستمرار في الاعتماد بشكل حصري تقريباً على التمويل الطوعي من المانحين لن يكون منطقياً”.
نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي تطرق الاثنين مع وزير خارجية النمسا ألكسندر شالنبرغ إلى “موضوع اللاجئين وخطورة تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين وغيرهم من اللاجئين وأونروا أيضا، وضرورة أن تبقى هاتان القضيتان أولوية لدى المجتمع الدولي من أجل ضمان توفير العيش الكريم للاجئين”.
وتُمول أونروا بشكل كامل تقريبا من خلال التبرعات الطوعية التي لم تواكب “مستوى النمو في الاحتياجات”، ونتيجة لذلك تعاني الموازنة البرامجية التي تعمل على دعم تقديم الخدمات الرئيسية من عجز كبير.
تأسست أونروا كوكالة تابعة للأمم المتحدة بقرار من الجمعية العامة في عام 1949، وفُوضت بتقديم المساعدة والحماية لنحو 5.7 ملايين لاجئ من فلسطين مسجلين لديها.
وتشمل خدمات أونروا التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية وتحسين المخيمات والحماية والإقراض الصغير للاجئي فلسطين في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.