تهاني روحي
عرض مغري لم تستطع منصة تويتر على عدم قبوله من الملياردير إيلون ماسك، لشراءها مقابل 44 مليار دولار أميركي. وبالرغم من المخاوف السياسية للاستحواذ والسيطرة على المنصة وهو قلق لم يستطع اخفائه الكثيرون من المتابعون بان هذه المنصات في حاجة لأن تخضع للمحاسبة، خاصة وانها باتت تلعب دورا رئيسيا في الإعلام الحديث وتستقطب السياسيين والمشاهير في العالم كما ان قوة منصات وسائل التواصل الاجتماعي بما فيها تويتر، في نشر معلومات مضللة هو أمر مقلق للغاية.
ويطمح ايلون ماسك إلى إدخال حزمة تعديلات على “تويتر”، أبرزها تعديل التغريدات بعد نشرها وإمكان الدفع للمنصة بالعملات المشفرة.
وهنا قد يكون هذا المليادير، الأول الذي سيستطيع تغيير مستقبل حرية التعبير فكثيرا ما غرد عن (الحرية المطلقة) للتعبير والتي ستنطلق في جميع أنحاء العالم «كضرورة مجتمعية لديمقراطية فاعلة» فخطتة تكون عبر تقليل الاعتماد على المساهمين والمعلنين، بحيث يتمكن من اتخاذ قرارات بشأن التحديثات التي يجريها بشكل حيادي ومستقل، بما يصب في صالح النقاشات العامة في القضايا المختلفة، كما يدعي.
وتبقى حرية التعبير عنوان براق وفضفاض ويحمل في طياته الكثير، هذا ان علمنا ان المالك نفسه كان قد أساء استخدام المنصة ونشر معلومات مضللة في وقت سابق، ودفع غرامات ب 20 مليون دولار.
ولعل التحكم بهذا الشكل في المنصات بشكل استحواذي على الحصص بالكامل وبهذا الشكل، يجعلنا نترقب بمدى جدية حماية الخصوصية، ومحاربة المحتوى المضلل، وحظر حسابات الكراهية، فلدى ماسك أكثر من 84 مليون متابع على تويتر و تكفي تغريدة واحدة له حتى تغير جريات أمور كثيرة منها اسعار الأسهم.
ونحن كمتلقين، دورنا يكمن في تطوير قدرتنا على قراءة المشهد الإعلامي، وأن نسعى لتحديد القوى المؤثرة والفاعلة فيه. كما نحتاج أن نفهم القوى التي تشكل عالم اليوم، والتي تساهم في نشر الأفكار التي تساعد في تحقيق التحوّل في المجتمعات نحو عدالتها.
كما باتت المسؤولية أكبر على المؤثرين والنشطاء على وسائل التواصل وهل مساهمتهم واعية ام كانت توجه نحو سرعة النشر واعادة التدوير للأفكار التي يتم التخلص منها بسرعة بمجرد أن يأتي البند التالي، وهل استطعنا ان نبتعد عن “الجعجعة” اليومية ونتجه لاستكشاف واقعنا الاجتماعي؟
ففي حالة الفوضى الاعلامية التي تشهدها هذه الوسائل، والخيارات الضخمة والمحيرة من السيل الجارف للمعلومات سواء كانت مضللة أم حقيقية، علينا ان نتعلم كيف نفهم الرسالة الاعلامية وليس كيفية الحصول عليها. فهذا الاستحواذ يدعونا ان نكون متلقين واعيين أكثر من أي وقت مضى، كما ان هذه المنصات جعلتنا نسكتشف المفاهيم الأساسيّة والتّطلعات الشّجاعة التي كانت غائبة إلى حدّ كبير عنا والتي تحمل في طيّاتها إمكانيةَ أن تُسفر عن لحظةٍ من وعي مجتمعي جماعي، وتجعلنا نتفكر في قرارة أنفسنا في اسئلة وجودية.
وهذا يستدعي أن تكون مساهماتنا في وسائل التواصل بطريقة تعترف بقدرة جميع الناس على المساهمة في تقدم المجتمع من خلال تفاعلاتهم بطريقة ايجابية وتعترف بمجتمع مليء بأنصار التغيير البناء. وبأن التغيير المؤسسي والاجتماعي يجب أن يرافقه أيضا تغيير في القيم الإنسانية. ولا شيء غير غرس هذه القيم يمكن أن يُحدث تحوّلًا لدى الأفراد والمجتمعات، بشكل يؤمّن احترام حقوق البشر بشكل متساوي.
وعند تفاعلنا على هذه الوسائل، يجب ان يسود الاحترام المتبادل بين الأطراف المتحاورة واحترام كل جانب لوجهة نظر الآخر، لإثراء الفكر واحترام إنسانية الإنسان. وان تكون خالية من كافة التعصبات، لأنها هادمة لبنيان المجتمع، وسبب عدم استقراه، وعلينا نبذ تلك التعصبات التي هي نتاج أفكار ومعتقدات نُسلّم بصحتها ونتخذها أساساً لأحكامنا بدون أن نتحرى الحقيقة من مصادرها وهذا ما يجعلنا ان نصبح متلقين واعيين في عالم التّواصل الاجتماعيّ المتحرّر من القيود والضّوابط.
فالكثير مما ينشر، إذا ما تفحّصناه بدقّة، يعمل على تعميق الفجوة بين الانقسامات الاجتماعيّة، وتأجيج الخلاف بين المجموعات المُتخاصمة، واستمراريّة النّزاع، ويقضي على احتمالات التّوافق والبحث عن حُلول. وفي حقيقة الأمر غالبا ما يتم تعزيزه واستغلاله عن عمد عن طريق التلاعب بالمشاعر والترويج باستخدام أساليب تتجاهل الحقيقة وتحقيق الأجندات ُمسخّرة لمصالح ذاتية تخدم منافع عديدة. ومع استمرار النضوج والوعي الجمعي سيتم التخلي عن أساليب كهذه في تقسيم الناس من أجل ترويج أجندات لا تفيد سوى فئات أو شرائح معينة على حساب الآخرين.