أحدثت مشهدية تحطيم عربة بيع مؤخرا في “الحسبة المركزية” أوجاعا عميقة يعانيها الاقتصاد الرديف الذي يلعب دورا مفصليا في إعالة آلاف الأسر من الفاقة والعوز.
ومهما كانت الأسباب التي تذرّع بها ” مُحطّم العربة”، التي أشغلت الرأي العام، فإن مثل تلك العربات والبسطات، وخاصة التي تتطابق مع اشتراطات الصحة والسلامة العامة والأمان على الطرقات، تشكل أهمية في مجال التشغيل ورفع منسوب الناتج المحلي الإجمالي، خاصة في ظل أزمة كانت تداعياتها الاقتصادية هي الأشد وطأة.
ووفقا لتقرير صدر عن البنك الدولي في شهر حزيران الماضي بعنوان:” المرصد الاقتصادي للأردن، ربيع 2021: طريق طويل محفوف بعدم اليقين”، فإن تأثير التباطؤ الاقتصادي العالمي واضطرابات التجارة وتعطيل النشاط الاقتصادي المحلي خلال العام الماضي، أدّى إلى انكماش معتدل بنسبة 1.6 بالمائة في الاقتصاد الأردني، وهو الانكماش الأول خلال ثلاثة عقود، ما ساهم في اتساع العجز المزدوج وارتفاع مستويات الديون، ومعدلات البطالة.
ووفقا لدائرة الاحصاءات العامة، فإن معدل البطالة في الأردن بلغ نحو 25 بالمائة، خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث أن 51 بالمائة من إجمالي المتعطلين هم من حملة الشهادة الثانوية فأعلى، و29 بالمائة كانت مؤهلاتهم التعليمية أقل من الثانوي، في حين بلغت نسبة الفقر المطلق 15.7 بالمائة، وتمثّل أكثر من مليون أردني.
ووفقا لمراقبين، فإن حادثة “إعدام العربة” التي اشغلت روّاد مواقع التوصل الاجتماعي، علقت جرس الإنذار، حول أهمية تقديم اعتبار “لقمة العيش” أولوية على ما سواها من اعتبارات.
عضو المركز الوطني لحقوق الإنسان، الدكتور إبراهيم البدور، قال، انه لابُدّ في الأزمات من التعامل بروح القانون مع مراعاة الشعور الإنساني، ومبادئ حقوق الإنسان القائمة على العدل والمساواة والتسامح وتطبيق القانون، دون المساس بالكرامة الإنسانية” .
ولفت الى أهمية تعامل الموظف التنفيذي مع القانون، بما لا يمس القيم الإنسانية والعادات والتقاليد، خصوصا في ظل جائحة كورونا، وإحقاقاً للمبدأ الإنساني في التعامل مع فئة اجتماعية تبحث عن قوت يومها.
ودعا البدور إلى مراجعة التشريعات والتعليمات الناظمة، بحيث تضمن عدم تكرار مثل هذه الحادثة وتحمي حقوق الأفراد. من جانبه دعا عبد الغفور القرعان، من مركز “نسمو” ضد خطاب الكراهية، إلى العمل بشكل مؤسسي ومنهجي لتنظيم هذا النوع من المهن، مع إيجاد تصاريح مجانية لمزاولتها، مثمنًا ما قام به أمين عمان بوقف موظف الأمانة عن العمل والتحقيق بالحادثة واعتذار الأمين لصاحب العربة.
الناطق الإعلامي في أمانة عمان الكبرى، ناصر الرحامنة، قال، إن ما جرى بخصوص تحطيم عربة أحد المتجولين غير مقبول، إلا أن الأمر بمجمله يحتّم تطبيق القانون.
وكشف عن أسس وآليات جديدة لإزالة البسطات المخالفة، بحضور الشرطة، فإذا كانت هنالك بسطة مخالفة فإنه يتم ضبط محتوياتها بحضور صاحبها، ومن ثمّ يتم وضعها في سيارة الأمانة بطريقة حضارية، وتنقل إلى المستودعات، ليتم تحويل المخالفة عبر الأنظمة المعمولة بها للحاكم الإداري لاتخاذ الإجراءات اللازمة وفقا للمقتضى القانوني.
وأضاف أن فرق الأمانة على أتم الجاهزية للتعامل مع البسطات، ذلك أن وجودها على الأرصفة يعرقل حركة سير المشاة، ويقلل من عناصر السلامة العامة.
وأشار إلى استعداد الأمانة لإيجاد الأسواق المناسبة لأصحاب البسطات مع توفير الخدمات اللوجستية مجانا من ماء وكهرباء، مبينا أن الأمانة تفتح أبوابها لمن أراد البيع في ” بسطة” ضمن الإطار التنظيمي في الأسواق التابعة لها بالمجان.
المحامي باسم الرقب، بين أن الرصيف لم يعد مجالا للمارة كما يجب، بل أضحى سوقا للتجار يسعون من خلاله لتجاوز الأزمات الاقتصادية وغلاء المعيشة.
الخبير الاقتصادي، الدكتور عبدالحكيم أخو ارشيدة، رأى أن حادثة العربة فردية ولا تعكس منظومة الحياة التي يعيشها المواطن.
وبين أن كورونا أثّرت على صغار التجّار، نتيجة الإغلاقات في الحظر الشامل، والتي أدت إلى بحث أرباب الأسر عن بدائل للتكسب وسدّاد الديون، لافتا إلى أنه ومن باب أولى الرفق بالحالات الإنسانية.
استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، الدكتور عبدالله أبو عدس، دعا إلى تعزيز احترام القوانين والمسؤولية المجتمعية حيالها.
واعتبر أن إنفاذ القانون لابد أن يتم في أدنى حدوده التقييديّة، فالنفس البشرية لا تحب التقييد، مشيرا إلى أهمية توفر بدائل تؤمن العيش الكريم للناس التي تقطعت بهم سبل الرزق.