بالرغم من فوضى الحياة ومشكلاتها والمنعطفات المفاجئة، وحتى تلك اللحظات الحاسمة والقرارات المهمة التي تنتظر التنفيذ، يقف هناك بالقرب من قلوبنا أشخاص يستطيعون بما لديهم من صلابة أن يلملموا شتات أوجاعنا، وأن يلونوا أيامنا بابتساماتهم الصادقة ومحبتهم الخالصة التي لا تشوبها المصلحة أو الزيف.
إحساسهم الصادق بمن حولهم يجعلهم يواسون رغم حزنهم ويقدمون النصيحة رغم احتياجهم الشديد لمن يأخذ بيدهم وينقذهم من حيرتهم، مثل هؤلاء يعرفون أيضا كيف يزرعون الفرح في أرواح تتوق للأمل والحياة تقدر كل من يحاول أن يضيء شمعة في طريق أيامها متناسيا همومه وأحزانه من أجل أن يساعدها ويخرجها من كل ما تمر به من أزمات لعله يستطيع أن يفتح لها بابا جديدا يعوضها عن كل ما فاتها.
السعادة الحقيقية، كما تقول هديل أحمد، أن تمتلك ولو شخصا واحدا على الأقل قادرا على مواساتك رغم ألمه يبذل كل ما في وسعه من أجل أن يراك تبتسم. هي شخصيا تجد أنه لا شيء بإمكانه أن يهون قسوة الحياة وتقلباتها سوى وجود قلب يتناسى أحزانه في سبيل أن يسعد من يحب.
وتضيف “مثل هذه الشخصيات تعطي بلا مقابل وحتى وإن كان لديها مشكلات تفوق مشكلات الآخرين”، مبينة أنها محظوظة بصديقتها المقربة لكونها تستطيع وبسهولة أن تخرجها من تعبها وحزنها فقط بإنصاتها لها وقدرتها على رسم ابتسامة حقيقية على وجهها.
وتلفت هديل إلى أننا دائما نهدي من نحب ما نحن بحاجة له، لذا فهي ممتنة لكل من شاركها شعورا وكانت كلماته في وقتها بالنسبة لها كالبلسم.
ويتفق معها الأربعيني إياد، يقول “أحيانا تواسي أحدهم وقد لا تكون كلماتك هي من واسته فعلا، لكن شعورك حضر في التوقيت المناسب، التوقيت الذي يحتاجك فيه، لأن تنصت له وتكون قريبا منه وذلك لأن الكلام هنا يسقط في القلب مباشرة”.
ويوضح أن وقوفنا إلى جانب من يحتاجنا، وخاصة في المشكلات، أمر في غاية الأهمية، وأيضا سمة لا يمتلكها كل البشر ومن شأنها أن تخفف عن الحزين وتصحح اعوجاج قلبه.
وينوه إياد إلى أنه يشكر الله دائما لأنه رزق بزوجة تفهم حزنه حتى قبل أن ينطق ورغم كل همومها ومسؤولياتها، إلا أنها تعرف جيدا كيف توفر له الراحة والسكينة، تواسيه في حزنه وتحمل معه همه، هي الملجأ له في السراء والضراء.
ويؤكد أن الشخص القادر على المواساة ليس بالضرورة أن يكون مرتاح البال ليس لديه مشاكل، بل في كثير من الأحيان قد يكون غارقا في الهموم أكثر من غيره، ومع ذلك لديه القدرة على إسعاد من حوله وطمأنتهم وتقديم النصيحة لهم.
الاختصاصي النفسي الدكتور علي الغزو، يرى أن الصلابة النفسية هي التي تمكن بعض الأشخاص من أن يكونوا أقدر على تطبيب آلام من حولهم ومساعدتهم وتقديم النصح لهم.
هذه الشخصيات تحديدا، حسب رأي الغزو، تمتلك قدرا كبيرا من الثقة بالنفس، كما أنهم بارعون جدا في ضبط مشاعرهم وانفعالاتهم، وبالتالي يعرفون كيف يحلون المشكلات بتأن لكونهم يتمتعون بنظرة إيجابية حتى وإن كثرت مشاكلهم وزادت همومهم، ويرجع السبب في ذلك إلى أن هذه الفئة من الناس يقفون على أرضية صلبة سلاحهم الأمل والإيجابية، لذلك يجدون سعادتهم في مواساة الآخر ونصيحته والتخفيف عنه.
ويبين أن أثر هؤلاء الأشخاص في حياة من حولهم وامتلاكهم القدرة على إسعادهم ورسم الابتسامة على وجوههم، ربما يكون هذا كله هو العوض عن تعبهم وتأخرهم في حل مشكلاتهم الخاصة.
ويؤكد الغزو أن السعادة الداخلية التي يشعر بها هؤلاء الأشخاص تكون كبيرة جدا وعميقة حتى وإن لم يستطيعوا حل مشاكلهم. شعورهم بأنهم قادرون على ترك بصمة إيجابية في حياة من هم بحاجة لصدقهم ومساندتهم من خلال مساهمتهم في تعديل سلوك أو تغيير إنسان أو حل مشكلة ما يجعلهم جديرين بكسب محبة الناس وقربهم، وأيضا يزيدهم سعادة وقوة وثقة بأن الخير الذي يزرعونه حتما سيجنون ثماره عاجلا أم آجلا.
ويذهب الاختصاصي التربوي والأسري الدكتور عايش نوايسة، إلى أن الإحساس بالآخرين ومشاركتهم أحزانهم قبل أفراحهم والقدرة على مساندتهم ودعمهم هي كلها في الحقيقة مشاعر إنسانية يتربى عليها الفرد منذ الصغر.
ووفق النوايسة، من الضروري أن نغرس في الأبناء حب الآخر وتقبله، كما يجب أيضا تعويدهم على مراعاة مشاعر الآخرين والتقرب لهم بالإنصات لشكواهم وحزنهم مع محاولة العمل على حل مشاكلهم، مشيرا إلى أن الإنسان المواسي أو الناصح قد يكون متعبا وحزينا من الداخل، ومع ذلك فهو قادر على أن يمد غيره بالسعادة ويبعده عن آلامه بتفاصيل بسيطة.
هذا النوع من الناس، كما يبين نوايسة، يجيدون العطاء بدرجة كبيرة جدا ويسعدون بما يقدمونه للآخر، وذلك من خلال الدور الذي يؤدونه في الحياة. هم ورغم المشكلات التي تحاصرهم إلا أنهم يمنحون حياتهم الشخصية جانبا، ويتجنبون تماما إسقاط ما يعيشونه من أزمات على حياة من هم بحاجة لهم وللطاقة الإيجابية التي يمدونهم بها مهما كانت الظروف.