عندما نبحر في قراءة كتاب الدولة الاردنية بمناسبة مئوية تأسيسها، نجد أنه منذ التأسيس إتكأت على عناوين عديدة من أبرزها إعلاء شأن القراءة والكتابة أطلقها ورسخ لها المغفور له بإذن الله الملك المؤسس عبدالله بن الحسين وهو المثقف والاديب والشاعر، حينما وصل مدينة معان واطلق صحيفة الحق يعلو إيذانا بأهمية الثقافة والقراءة.
ومع قدوم المغفور له الملك المؤسس الذي صدر له عدد من المؤلفات والكتب، واستقراره في عمان، جمع من حوله وفي بلاطه عددا من الادباء والكتاب الاردنيين والعرب، مشجعا لما ينتجوه ومكرسا لثقافة الكتاب، والتي جاءت في سياقات التأسيس لبزوغ نهضة جديدة عربية في البلاد بحيث ازداد عدد المدارس والطلبة والمعلمين المؤهلين وتطورت المناهج والوسائل التعليمية والتخصصات العلمية.
وفي يومنا هذا الذي يشارك الأردن فيه دول العالم احتفاله باليوم العالمي للكتاب وحق المؤلف الذي صادف أمس الجمعة، وأقرته منظمة اليونسكو في 23 من نيسان من كل عام اعتبارا من عام 1995، نستعيد مقولة الجاحظ في الكتاب «إن الكتاب يُقرأ في كل مكان ويظهر ما فيه على كل لسان ويوجد مع كل زمان وقد يذهب الحكيم وتبقى كتبه ويذهب العقل ويبقى أثره».
ورغم أن هذه المناسبة تأتي هذا العام في ظل تدابير احترازية في ظل جائحة كورونا، وإغلاق للمؤسسات التعلمية ومنها المدراس، الا أن منظمة اليونسكو تجدها فرصة «لإعلاء شأن القراءة وتحفيز مهارات القراءة لدى الأطفال، وبذر حب الأدب وجعله جزء لا يتجزأ من ثقافة العمل» بحسب موقع المنظمة.
المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أودري أزولاي في رسالة المنظمة بهذه المناسبة، تقول «يملك الكتاب هذه القدرة الفريدة على تسليتنا وتثقيفنا، وكذلك على تمكيننا من الخروج من عالم الذات لاكتشاف عوالم أخرى، أو للوقوف على ثقافات الآخرين من خلال لقاء فكري مع كاتب أو كاتبة بين دفتَي كتاب، تمكينا من سبر أغوار ذاتنا في آن معاً.» بينما يرى شاعر الطفولة محمد جمال عمرو ان هذه المناسبة للاطلاع أكثر على واقع الإصدارات المخصصة للطفل، وخاصة في الأردن إيمانا منا بالدّور المنوط بنا في ميدان ثقافة الطفل وأدبه.
ويقول عمرو أنه في غمرة احتفالاتنا بمئوية الدولة الأردنية، علينا أن نتأمل واقع كتاب الطفل الأردني، ونتساءل كيفَ نستطيعُ تحبيبَهُ إليه، بل وكيفَ نحفظُ له مكانتَهُ بينَ الوسائط المُنافسة الأخرى فنحنُ نشهدُ تطورًا تـقنيًّا هائلاً في تلكَ الوسائط، أحدث تطورا في اهتمامات طفل اليوم، فهو ليسَ كطفل الأمس، وتعددُ مصاد ر المعرفة عندَهُ، وثورةُ التّقانة فَتحَت لهُ آفاقَ الكون المعرفيّة، وفرضت علينا إعادة النّظرَ في المسألة.
ويضيف: ولو نظرنا في رُفوف كُتب الطّفل اليوم، لأدركنا تواضُعَ الكمّ والنَّوع، ما يتطلب أولا اهتمام الوزارات والمؤسسات الرسميّة، سواء أكانت مُنتجةً لثقافة الطّفل، أم موجّ هةً لها، وراسمةً لسياسات تنفيذها، والتي قد تكونُ أبدت اهتمامَها وقطعت شوطًا في هذا المضمار، لكنَّ المُخرجات الماثلةَ للعَيان تُشيرُ إلى الحاجة لمزيد منَ الجهد والعمل، حتّى يصلَ الكتابُ الذي نُريدُ إلى أطفال نا بمختلف شرائ حهم وأماكن تواجد هم، وحتّى تُسنّ القوانينُ والأنظمةُ الكفيلةُ بدعم صناعة كتاب الطّفل، ودعم إنشاء المكتبات العامة، وتحفيز أطراف معادلة إنتاج كتاب الطفل، من كتّاب ورسّامينَ وناشرين.
وعلى صعيد مؤسّسات المجتمع الخاصّة، التي أسهمت في بناء الأردن الحديث، يعرب عمرو عن أمله بأن تتولّدَ لديها القناعةُ بأهمية الطفل، سعيا لبنائه وإعداده وتثقيف ه، وحينَها يكونُ كتابُ الطّفل المُموّلُ من تلكَ المؤسسات مُرشّحًا بقوّة للعب الدّور، إضافة لدورُ النشر التي تلعب دورا فاعلا في عمليّة إنتاج الكتاب ونشر ه، مما يدفعنا لتقويم طبيعة علاقة الناشر بالمؤلف والرسام.
ودعا عمرو إلى التكاتف في سبيل توفير كتاب يليق بأطفالنا، ويواكب تطور دولة نشأت قبل مئة من الأعوام.
من باب إيماننا بأهمية بناء طفل اليوم.
ويرى أمين سر رابطة الكتاب الأردنيين الناقد محمد المشايخ أن الكتاب ازدهر في المملكة، إثر مشاريع وزارة الثقافة الرائدة ولا سيما مكتبة الأسرة التي وفرت مكتبة في كل بيت، والاحتفالات اليومية التي اقامتها الهيئات الثقافية لتوقيع الإصدارات الجديدة، والدعم الذي تقدمه مؤسسات المجتمع المدني للمؤلفين والناشرين من أجل إصدار الكتب الجديدة المهمة.
ويتابع «صار الجميع شركاء في رسالة القراءة باعتبارها لبنة بناء الحضارات، وهمزة الوصل التي تربط بين الثقافات، ولأنها تـُنمي العقل وتـُنشـّطه وتحافظ على سلامته، وتنمي المعرفة وتزيد العلم والثقافة».
ودعا لاستغلال هذه المناسبة في إنتاج كتب ومطبوعات، تساعد على تحقيق أهداف الإحتفال بالمئوية الأولى للدولة، وتقتضي أيضا مشاركة الجهات الرسمية المعنية برسالة المملكة التنويرية المرتبطة بالثقافة، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والإعلام، والسياحة والمؤسسات الأكاديمية والهيئات الثقافية المختلفة، لبناء عقل عربي نقدي يمتلك ثقافة تنويرية تذلل كل التحديات المعرفية، والحضارية، والسياسية والاقتصادية التي تواجهنا.
ويقول المشايخ «إن مناخات التنوير المرتبطة بالمئوية لا بد وأن تؤسس لتفاؤل يرتبط بمشاريع عظيمة أرسى قواعدها أربعة ملوك هاشميين على صعيد التأليف والابداع والكتابة، وكان هاجسهم دائما العقل والنهوض القومي ووحدة الأمة».
ودعا دائرة المكتبة الوطنية، للإفراج عن عقد النشر الذي يضمن حقوق كل من الكاتب والناشر، كي لا يتغوّل أحدهما على الآخر.
من جهته مدير عام المكتبة الوطنية الدكتور نضال العياصرة، فيرى ان احتفاء العالم في 23 من نيسان من كل عام باليوم العالمي للكتاب وحق المؤلف هو تكريم للأبداع والمبدعين.
ويقول «ونحن اذ نحتفي به وللعام الثاني على التوالي في ظل جائحة الكورونا وفي ظل تدابير العزل والتباعد الاجتماعي، الا اننا لا زلنا نجد ان الفرصة ما زالت سانحة للاقتراب من الاخرين من خلال القراءة واستكشاف عوالم جديدة ومتنوعة».
ويشير الدكتور العياصرة إلى أن المكتبة الوطنية منذ إنطلاق هذه المناسبة عام 1995 شاركت في كل عام الاحتفاء بهذا اليوم من خلال العديد من المبادرات التي لا زالت مستمرة حتى الان ومنها مبادرة «كتابك صديقك» والتي جابت فيها ارجاء المملكة لتوزيع الكتاب المجاني على عشاقه غير القادرين على شرائه، إذ وزعت منذ عام 2012 اكثر من 220 الف كتاب وقصة طفل منها 11 الف كتاب في عام 2020.
ويقول انها منذ بداية العام الحالي نفذت اربع حملات في اقاليم الشمال والوسط والجنوب، كما اطلقت مبادرة تبرع بكتاب تنشئ مكتبة والتي من خلالها شاركت المجتمع المحلي في تأسيس مكتبات في مناطق مختلفة من المملكة.
وبلفت إلى أنه ضمن احتفالات المملكة بمئوية تأسيس الدولة فقد وضعت المكتبة الوطنية في مخططاتها لهذا العام تأسيس 12 مكتبة في مختلف محافظات المملكة، بالاضافة الى دعم مكتبات اخرى بالكتب، مشيرا إلى انها قامت بتأسيس اربع مكتبات حتى الان في كل من جرش والكرك.
ومن ضمن نشاطات «المكتبة» التي استحدثتها هذا العام، بحسب العياصرة، إتاحة خدمة الاحاطة الجارية على صفحة الفيسبوك من حيث تخصيص منشور يومي للكتب التي وصلت حديثاً للدائرة من خلال الايداع الفعلي للتعريف بالإصدارات الحديثة ومواضيعها.
بالإضافة الى تشجيع المؤلفين على اتاحة مؤلفاتهم الكترونياً على الموقع الالكتروني للمكتبة، مع التأكيد على حقوق المؤلف لها، مشيرا إلى أن عدد مقتنيات المكتبة من الكتب يبلغ حوالي 260 الف كتاب باللغتين العربية والانجليزية وكتب الاطفال.
وحول حقوق المؤلف، يؤكد أن حقوق المؤلف ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالكتاب، وتقوم المكتبة الوطنية بالإضافة الى دورها في تشجيع القراءة، بالمحافظة على حقوق المؤلفين وحماية ابداعاتهم الذهنية والادبية من خلال مكتب حماية حق المؤلف الذي تم تأسيسه فيها عام 2000، ويقوم بعمله من خلال افراد الضابطة العدلية الذين يقومون بالجولات التفتيشية في كافة محافظات المملكة بالإضافة الى تلقي ومتابعة الشكاوي حول التعدي على حقوق المؤلف.
ويشير إلى المكتب قام بتحويل نحو 7 آلاف قضية تعدي منذ تأسيسه وحتى الان الى القضاء.
اما مدير الدراسات والنشر في وزارة الثقافة مخلد بركات، يعتبر إن الكتاب كنز المعارف والخبرات البشرية على مر العصور، وهو الجليس الأنيس، والوسيط بين ثقافات العالم، ونافذة تطل على معارف الشعوب وخبراتها، ولأهمية الكتاب الكبيرة سعت وزارة الثقافة على نشره ودعمه بكل الوسائل والسبل.
ويوضح أنه وضمن مختلف الحقول الأدبية والمعرفية والبحثية والتاريخية والأثرية، عن طريق مسارات النشر الكامل للمخطوطات، وهي مسارات سلاسل النشر الخمسة، أو الدعم الجزئي، أو عن طريق مشروع مكتبة الأسرة الأردنية، ومشروع إصدارات المدن الثقافية، ومشروع سلاسل نشر الكتب بمناسبة مئوية الدولة لهذا العام، وهي أربعة سلاسل تسلط الضوء على المنجز الوطني الأردني خلال المئة عام، من مؤسسات وأفراد وأحداث ومفاصل تاريخية مهمة.
ويشير إلى ان الوزارة عملت أخيرا على تفعيل سلاسل النشر وإطلاق خمس سلاسل لنشر المخطوطات وهي:
فكر ومعرفة، وسرد وشعر، والكتاب الأول، وشغف( سلسلة للطفل)، وسلسلة الفلسفة للشباب بإصدار مجموعة من كتب الجيب تتضمن العديد من العناوين والموضوعات الفلسفية، بلغة مبسطة وطريقة عرض يفهمها الشباب، سعيا الى بناء معارفهم بطريقة منظمة، وتنمية طرق التفكير العلمي والفلسفي لديهم.
وبلفت بركات إلى سعي الوزارة إلى إيصال إصداراتها من الكتب إلى مختلف شرائح المجتمع من خلال سياسة التوزيع المعتمدة، عن طريق الإهداء المجاني أو البيع بأسعار رمزية، فضلا عن المشاركة الفاعلة في معارض الكتاب خارج الأردن، وداخليا بإقامة معارض الكتاب بشكل دوري في كل المحافظات الأردنية، والتشاركية الفاعلة مع العديد من الجهات الرسمية ومنها اتحاد الناشرين الأردنيين في إقامة معرض عمان الدولي للكتاب كل عام، في أرض المعارض طريق المطار، والمشاركة في إطلاق برنامج ثقافي ضخم على هامشه.
ويؤكد اهتمام الوزارة بحق المؤلف عن طريق إجراءات إدارية وفنية تنبثق عن نظام النشر المعتمد والتعليمات الصادرة عنه لضمان صون هذا الحق، والتفاعل والتعاون مع دائرة المكتبة الوطنية كجهة رقابية على ضبط النشر والدعم بما يراعي حقوق التأليف، سواء عن طريق الحصول على رقم الإيداع أو الرقم الدولي «الردمك»، ومن خلال التأكد من نشر الكتاب مسبقا ومن هو صاحب الحق في تأليفه، كذلك ضبط موضوع الترجمة بالحصول على موافقة الكاتب الأصلي أو الناشر الأصلي للكتاب.
ويرى رئيس اتحاد الناشرين الاردنيين جبر ابو فارس أن اليوم العالم ي ل لكتاب وحقوق المؤلف تاريخ رمزي في عالم الأدب كونه يوافق ذكرى الكثير من وفاة الكثير من الادباء، وهو فرصة لإبراز مكانة المؤلفين وأهمية الكتب على الصعيد العالمي، ولتشجيع الناس عمومًا، والشباب على وجه الخصوص، على اكتشاف متعة القراءة واحترام الإسهامات الفريدة التي قدمها أدباء دفعوا بالتقدم الاجتماعي والثقافي للبشرية إلى الأمام.
وفي حديثه يدعو المجتمع المحلي للرجوع الى عادة القراءة وتشجيع الاطفال على القراءة وتقديم الحوافز لهم لانهم هم جيل المستقبل وبهذه المناسبة، وجميع المؤسسات الثقافية الاهتمام بصناعة الكتاب، وتشجيع الكاتب الناشئ، وتخصيص ميزانيات لهذا الخصوص، واعتبار الكتاب مثله مثل رغيف الخبز لانه غذاء للروح، والمجتمع المثقف يخلوا من التطرف والعنف ويتمتع بالأخلاق الحميدة.
ويقول ابو فارس»يقع على عاتقنا نحن صناع الثقافة اختيار المضمون الجيد والمناسب لمجتمعنا ولأطفالنا وللقارئ بشكل عام، كما يقع على عاتق الحكومة دعم صناعة الكتاب ودعم الكتاب والمؤلف حتى تتمكن هذه الصناعة من الاستمرار والرقي في انتاجها».
ويؤكد أبو فارس أن صناعة النشر في الاردن تمر اليوم بأزمة مالية كبيرة جدا نتيجة جائحة كورونا الامر الذي يتوجب على الحكومة الوقوف بجانبها ودعمها واعتبارها ركن اساسي من متطلبات ديمومة الحياة لأننا لا يمكن ان نفصل ما بين غذا الجسد وغذا الروح فكليهما ضرورة للإنسان