صدور كتاب جديد للدكتور ملحم يكشف فيه لغز تأريخ كنيسة القديس جورجيوس في بلدة رحاب :
الحق يعلو – صدر مؤخرا عن دار الكتاب الثقافي في مدينة اربد كتاب جديد لخبير الآثار د. اسماعيل أحمد ملحم بعنوان : ( إضاءات على اكتشافات أثرية حديثة في شمال الأردن، محافظات عجلون و إربد والمفرق).
ويتضمن الكتاب الذي يقع في ٣٣٤ صفحة، وستة فصول، عرضاً لمجموعة من الدراسات والاكتشافات الأثرية الحديثة التي أشرف عليها المؤلف في محافظات عجلون وإربد والمفرق خلال عمله السابق في دائرة الآثار العامة، ومن أبرز هذه الاكتشافات و التحليلات الجديرة بالمعرفة و الاهتمام ، النتائج الأثرية المتعلقة بحقيقة تأريخ كنيسة القديس جورجيوس الواقعة في بلدة رحاب في محافظة المفرق إلى العام ( ٢٣٠ م)، حيث انه وبعد مرور أكثر من ١٥ عاماً من الجدل والتجاذب ما بين الآثاريين حول صحة هذا التاريخ الذي عُثر عليه في الأرضية الفسيفسائية للكنيسة المذكورة التي كُشف عنها من قبل دائرة الآثار العامة عام ٢٠٠٨ م بإشراف مفتش الآثار في حينه د. عبد القادر الحصان ، و ما طرحه غالبية الآثاريين في حينه من استبعاد ان تكون هذه الكنيسة قد دُشنت في تلك الفترة المبكرة، نظراً لأن الطقوس الدينية لأتباع الديانة المسيحية كانت تؤدى في تلك المرحلة في اقبية سرية، و ليس في كنائس مبنية فوق الأرض، تجنباً لاضطهاد السلطات الرومانية الوثنية لهم .
وبين د. إسماعيل ملحم أنه و من خلال إعادة قراءة النقش التدشيني المدون باللغة اليونانية و ترجمته للعربية بمساعدة عدد من المختصين بالنقوش فإن الصيغة الأدق لقراءة النقش كالتالي :
(( بإسم الثالوث المقدس، تقدمة من (توماس) إبن (جيانوس المؤسس)، كان قد تم الإنتهاء من بيت العبادة هذا بإسم القديس جورجيوس، في شهر أبيلايوس في الزمن الثامن من الخمس عشرية لسنة ١٢٤، بجهود سيرجيوس مساعد الكاهن )).
وأشار الى أنه بالتدقيق بنص النقش نجد أن فهمه و قراءته يمكن أن تنسجم مع الدلائل الأثرية القائمة، و هي أن آخر من بنى او جدد بناء هذه الكنيسة هو الشخص المذكور اسمه (توماس) ابن المؤسس (جيانوس)، وأن كلمة (ابن) في النقش تشير إلى الانتساب للجد المؤسس و ليس الى الأب – على الأغلب ، و ان (توماس) يُؤرخ في كتابته لتدشين ٍ سابق جرى لبيت العبادة عند تأسيسه، حيث كان قد تم الانتهاء منه لأول مرة في سنة ٢٣٠ م على يد جده المؤسس المدعو (جيانوس)، و في ذلك إشارة ً واضحة ً إلى المصلى الكهفي الموجود في موقع الكنيسة بهدف إعطائها بعداَ دينياً و تاريخياً ، كونها من أوائل دور العبادة المعروفة في المنطقة.
كما يُلاحظ على كاتب النقش الأثري انه استخدم عبارة : (بإسم الثالوث المقدس) مما شاع استخدامه من عبارات دينية في القرنين السادس و السابع الميلاديين ، مما يؤكد ان تجديد بناء الكنيسة تم في هذه الفترة، أضف إلى أن الطراز المعماري و الفني المستخدم في هذه الكنيسة هو من طراز البناء الذي شاع في هذين القرنين المذكورين من حيث المخطط البازليكي والنمط الفني المستخدم في الأرضيات الفسيفسائية و في استخدام حجارة البناء.
وأضاف د.ملحم انه و نتيجة لهذه المعطيات التاريخية يكون في حوزتنا وثيقة كتابية مهمة من العصر البيزنطي، و هي هذا (النقش المكتوب باللغة اليونانية ) الذي يؤكد ان كنيسة جورجيوس تعود جذورها لبداية القرن الثالث الميلادي في العصر الروماني ، و أن من تولى تأسيسها هو شخص يُدعى (جيانوس) في حوالي سنة ٢٣٠ م، و بدأً بتأسيس المصلى الكهفي فيها، وهو أقدم أجزاء هذه الكنيسة، و الذي يعكس مرحلة مهمة عاشها سكان المنطقة من أداء الطقوس السرية في بداية انتشار الديانة المسيحية ، و ان إعادة البناء و التوسعة اللاحقة التي ما زالت آثارها باقية، هي تقدمة من الحفيد (توماس) و تمت بعد عدة قرون من تأسيسها في العصر البيزنطي، و أن المصلى الكهفي ظل خلال الفترة ما بين التأسيس وإعادة البناء على الأغلب محل تبجيل و قداسة و تؤدى به الطقوس الدينية لقدسيته.
و لفت د.ملحم انه من المؤمل ان تشكل هذه المعلومات التاريخية المهمة حافزاً لمزيد من الأبحاث و الدراسات في تاريخ الموقع والمنطقة حوله التي كانت تعج بما لا يقل عن ٢٣ كنيسة مكتشفة لحد الآن، والتي كانت تشكل تجمعاً كنسياً كبيراً في العصرين البيزنطي و الأموي قبل أن تؤثر عليها الزلازل العنيفة التى ضربت الإقليم في السنوات ٧٤٧ م و ٧٤٩ م وأدت إلى دمار كبير في العمران.
كما ستشكل قصة المكان وأهميته التاريخية تنشيطاً للسياحة المحلية والخارجية اليها، وبما يسهم في تنمية المنطقة وترويجها سياحياً.