الحق يعلو -كتب:الصحفي علي فريحات
عالم الادب والرواية واسع وضم في جنباته العديد من الكتاب و اصحاب الفكر والابداع والتميز منهم من رحل وبقيت ذكراه وسيرته العطرة في عقولنا نتيجة لما قدموه من نماذج مشرفة لفكرة الكاتب الذي يعيش مع قلمه طول حياته ومنهم الكاتب والروائي والسياسي الاردني “مؤنس منيف الرزاز ” الذي يصادف الثامن من شباط ذكرى وفاتـــه السادسة عشرة التي تستحق الاحتفاء بها في كل وقت وحين لأنَ رحيله شكل خسارة كبيره للوسط الثقافي المحلي والعربي .
لا نستغرب عن هذه العائلة التي لها تاريخ عريق ومساهمات في الادب والثقافة والسياسة والفكر فهي عائلة تجذرت فيها معاني الولاء والانتماء وحب العلم والبحث من اجل خدمة اوطانهم وقضايا امتهم وهذه الميزات ساهمت في نيلهم ثقة كل من عرفهم و ما زالت تنال الثقة من الحاكم والمسؤول ومسيرتهم حافلة بالعطاء ومن ابرز الشخصيات في زمننا الحاضر ابن وزارة التربية “الوزير الدكتور عمر الرزاز”البار القدوة في العمل واحترام الناس حتى بات يصنف من ابرز الوزراء العاملين في حكومة هاني الملقي بفضل تواضعه وحنكته وحكمته وتميزه .
الراحل مؤنس الرزاز الحاضر والغائب وصل الى ما وصل اليه لأن والده الطبيب منيف الرزاز لم يكن بعيدا عن السياسة وكان من أبرز القادة الأوائل لحزب البعث العربي الاشتراكي وصاحب نظريه واحد زائد واحد تساوي واحد كبير ووالدته “لمعة بسيسو” كانت من رائدات العمل الاجتماعي والسياسي ويستمر هذا الإرث في ذاكرة الاجيال القادمة .
اعماله الادبية لاقت أصداء كبيرة من المهتمين والنقاد والباحثين وكانت مرجعا لكل الطامحين والباحثين عن الابداع والبراعه والحنكة في عالم الثقافة والسياسة والادب والرواية والقصص القصيرة التي تميز بها “الرزاز” لانه موسوعه واحد اعمدة الادب الأردني والعربي ويمتلك سيرة حافلة بالعطاء يجب أن تعرفها الاجيال القادمة وما قدمه من خلال توظيف كتاباته في الدفاع عن وطنه والانسانية عامة .
شق طريقه في الحياة بقلمه فقط واعتماده على ذكائه الحاد وصبره على التعلم والمعرفة حتى أصبح صاحب ثقافة موسوعية لا تضاهى أبدًا اضافة الى كونه كان يتحدث عدد من اللغات الاجنبية الى جانب اللغة العربية وكان يحرص دائما على التمعن في قراءة كل كتاباته والتي كانت تعكس في كثير من طياتهها جوانب سلوكه وحياته.
عرف عنه انحيازه للشعوب المناضلة والتي تدافع عن الحرية والتخلص من العبودية والاستعمار والحياة والإنسان والتقدم الاجتماعي كما تناولت كتاباته سيرة رجالات من الوطن وشخصيات تميزت بالابداع تقديرا ووفاء منه لمن قدموا وسطروا بكتاباتهم كافة جوانب الحياه كما نشر مقالات سياسية يومية في العديد من الصحف ألاردنية والعربية منها جريدتي الدستور و الرأي .
من ابرز ما قاله” جبل اللويبدة شيخ مسنّ متهالك يلهث. يمشي محدودب الظهر، والريح تعبث بمعطفه الثقيل القديم. معطف كان عريقاً أرستقراطياً فصار عتيقاً شاحباً قد انتفخت الجيوب تحت عينيه. لم يشرب الدهر عليه ويأكل فحسب، بل ودخن أرجيلة ما بعد الأكل ورقد بكل ثقله عليه عند القيلولة.
الراحل “مؤنس الرزاز” ولد في العام 1951، بمدينة السلط وعاش وسط عائلته في عمان وبدأ دراسته في مدرسة المطران في عمان وحصل على الثانوية العامة “التوجيهية” المصرية، ثم درس مستوى الـ(A level) في بريطانيا لمدة عام ونصف العام، قبل أنْ ينتقل إلى لبنان، حيثُ درس الفلسفة في جامعة بيروت لمدة ثلاثة أعوام، ليذهَبَ بعدها إلى جامعة بغداد، ويتخرَّجُ من جامعتها حاملا شهادة ليسانس فلسفة، ثم ينضم إلى جامعة جورج تاون في واشنطن لاستكمال دراساته العليا، إلا أنه تركها بعد عام واحد في العام 1978 حيث التحق بأسرته التي انتقلت من عمان إلى بغداد في العام 1977.
بدأ حياته العملية في الملحق الثقافي لجريدة الثورة العراقية في بغداد، ثم في مجلة شؤون فلسطينية في بيروت، وفي العام 1982 عمل في مجلة الأفق، وفي مكتبة أمانة العاصمة، وفي مؤسسة عبدالحميد شومان، وشرع يكتب عموداً يومياً في جريدة الدستور، ثم زاوية يومية في جريدة الرأي وتم تعيينه مستشارا في وزارة الثقافة، ورئيسا لتحرير مجلة أفكار، وانتخب العام 1994 رئيسا لرابطة الكتاب الأردنيين، كما انتخب العام 1993 أمينا عاما للحزب العربي الديمقراطي الأردني الذي نشأ بعد الانفراج الديمقراطي بالأردن في العام 1989 لكنه استقال من موقعه في أواخر العام 1994.
نال الرزاز جائزة الدولة التقديرية في الآداب للعام 2000 في حقل الرواية، وترجم له ايليان عبدالجليل إلى الإنجليزية رواية – Alive in the dead sea منشورات وزارة الثقافة 1997.
من ابرز مؤلفاته ورواياته في مجال القصص القصيرة “ّ اللسان الصغير في وجه العالم الكبير ، البحر من ورائكم ، النمرود” .وكان له 12 رواية منها :أحياء في البحر الميت ،” اعترافات كاتم صوت ، متاهة الأعراب في ناطحات السراب ، رواية جمعة القفاري .. يوميات نكرة ، رواية الذاكرة المستباحة ، رواية قبعتان ورأس واحد ، رواية مذكرات ديناصور ، رواية الشظايا والفسيفساء ، رواية فاصلة في آخر السطر ، رواية سلطان النوم وزرقاء اليمامة ، رواية عصابة الورد الدامية ، رواية حين تستيقظ الأحلام ، رواية ليلة عسل ومن اهم الكتب التي ترجمها ” انتفاضة المشانق ، رواية حب عاملة نحل” .
ستبقى ذكرى مؤنس الرزاز تعيدنا الى ذلك الطفل الذي لم يكد يكبر حتى تراجع كأنه يعتذر الينا عن عدم قدرته على الذهاب الى الشيخوخة وستستمر ذكراه على مر التاريخ والزمن ويسطع نوره مع بزوغ كل مبدع جديد تؤرخ لخروجه من جديد في زمن عتيق وعميق وجميل لانه خسارة كبيرة لكن بصماته وأخلاقه وسمعته العطرة وبسمته التي كانت تسبق طلته ستظل فينا هاجساً نتذكره ونتذكر معه مواقفه الطيبة.
رحم الله الراحل الكبير…وتغمده الله بواسع رحمته …