نيفين عبد الهادي
بلغة حاسمة وحازمة، وجّه جلالة الملك أدوات تبادل المعلومات على اختلاف أشكالها الإعلامية، أو وسائل التواصل الإجتماعي، للوجهة السليمة، والأكثر مهنية ومصداقية، لتكون بنّاءة، وايجابية، وبعيدة كل البعد عن أي سلبيات أو موجات شدّ عكسي للمنجز والتنمية، أو الإشاعات أو الأكاذيب، أو اغتيال الشخصية.
جلالة الملك في مقاله الذي نشر عبر الصحف أمس، وضع مسألة تبادل المعلومات في المكان الصحيح، سيما وأن الأمر بات مقلقا عندما كتب جلالته انه ارتأى أن يركز مقاله على «بعض الظواهر الاجتماعية المقلقة على منصات التواصل الاجتماعي»، ذلك أن ما يحدث عبر هذه الوسائل بات مقلقا وأدوات هدم واحباط وتشتيت للجهود الوطنية، ليؤكد جلالته أن ما يحدث من سلبيات على هذه الوسائل هو ما دفعه لمخاطبة المواطنين من خلال هذا المقال.
وقال جلالته «فحين نتصفح منصات التواصل الاجتماعي نصطدم أحيانا بكمٍّ هائل من العدوانية، والتجريح، والكراهية، حتى تكاد تصبح هذه المنصات مكانا للذم والقدح، تعج بالتعليقات الجارحة والمعلومات المضللة، والتي تكاد أحياناً تخلو من الحياء أو لباقة التخاطب والكتابة، دون مسؤولية أخلاقية أو اجتماعية أو الالتزام بالقوانين التي وجدت لردع ومحاسبة كل مسيء».
وصف لواقع يعج بأكبر درجات الخطأ والسلبية، يضعه جلالة الملك بصيغة واضحة بأن ما يحدث يخرج عن اطار المسؤولية الاخلاقية والإجتماعية، وعدم التزام بالقوانين، فيما اعتبر جلالته أن مسؤولية تصويب واقع الحال يتطلب عدة خطوات منها تشريعية، وحكومية بضرورة توفير المعلومة لتغلق باب الإشاعة، ودور الإعلام الذي وصفه جلالته بأنه أحد أهم روافع نظم تدفق المعلومات والتواصل، مانحا بذلك هيبة حقيقية للإعلام المهني بعيدا عن تلك المصطنعة التي يتغنى بها البعض.
وفي الشأن الإعلامي تحديدا، لا يمكن إلاّ أن نؤكد أن في اختيار جلالة الملك كتابة مقال لمخاطبة المواطنين فيما يخص نظم تدفق المعلومات وتداولها، وحرص جلالته على نشره عبر وسائل الإعلام النمطية، في الصحافة الورقية، حتما هي اشارة واضحة من جلالته لأهمية الصحافة والإعلام المهني، حيث منح جلالته الصحافة شرفا وتقديرا لا يمكن المرور عنه مرور الكرام، فهي إشارة هامة وسامية من جلالته بأن المهنية والمصداقية هي صاحبة السيادة الحقيقية في عالم المعلومة.
في كل كلمة، وفي كل سطر، تضمنها مقال جلالته، درس وطني وفي تبادل المعلومات، وفي الإعلام، يجعل من هذا المشهد نموذجيا، وثريّا بالمبادئ الصحيحة في علم انتشار المعلومات، ويمكن جعله منهج تدريس وعمل لكافة وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الإجتماعي، وحتى الحكومة في تعاملها مع المعلومات، حيث وضع جلالته الجميع أمام مسوؤلياتهم، بوضوح وحسم.
وفي قراءة خاصة لـ»الدستور» فيما يخص الجانب الإعلامي المهني الذي ركّز عليه جلالة الملك في المقال، كتب جلالته (لا بد من مراعاة التوازن بين صيانة حرية التعبير، وهو الحق الذي نحرص عليه دائما، وبين حقوق وأولويات في غاية الأهمية لاستقرار وعافية مجتمعنا، وهذا من شأنه المساهمة بشكل إيجابي في إثراء النقاش العام الضروري للتعامل مع ظاهرة الاستخدام غير الراشد والسلبي، في كثير من الأحيان، لوسائل التواصل الاجتماعي)، حيث أكد جلالته على تحقيق معادلة التوازن ما بين الحرية وحماية المجتمع باعتبارها السبيل الأمثل لتبادل معلومات راشد وايجابي، فضلا عن أن يقود لإثراء النقاش.
كما شدد جلالته على أن الحكومة عليها الإنفتاح بالمعلومة وكتب (كما أن عصر الانفتاح يحتم على الحكومات العمل بشفافية، وتوفير معلومات دقيقة للمواطن دون تباطؤ. وآمل أن تكون حكومتنا الحالية عند حسن ظننا، وأن ترتقي لتوقعات شعبنا في هذا الخصوص)، وهي الخطوة الثانية من وصفة النجاح والمثالية القصوى بهذا الشأن في ايصال المعلومة الصحيحة ببناء وليس الهدم.
وفي تأكيد من جلالته على هيبة الإعلام المهني كتب (دون أن نغفل هنا مسؤولية منابر الإعلام والإعلاميين، كأحد أهم روافع نظم تدفق المعلومات والتواصل، إذ يجب عليهم رفع معاييرهم المهنية والالتزام بالمسؤوليات الأخلاقية التي تقع على عاتقهم)، هي خريطة طريق لعمل عجزت عن صياغته عشرات الخطط والإستراتيجيات، حيث يحدد جلالته أهمية الإعلام ويعيد الألق لحضوره، اضافة لكونه يوجه لأهمية المهنية والالتزام بالمسؤوليات الأخلاقية، ففي وصف جلالته الإعلام بأنه رافعة لنظم تدفق المعلومات، حتما هو دور هام للإعلام ومقدّس، يجب الأخذ به وجعله عنوانا لمرحلة جديدة يبدأها الإعلام المحلي بكافة وسائله، وصولا لمنظومة نموذجية في تبادل المعلومات، خالية من أي تشوّهات.
متحدثو اعتبروا المقال، خريطة طريق للإعلام، ونظام تبادل المعلومات، يجب تطبيقها بشكل دقيق، سيما وأن جلالته كعادته شخّص واقع الحال بكل شفافية، وقدّم الحلول بشكل عملي.
د. عدنان بدران
رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور عدنان بدران أكد في حديث لـ»الدستور» أن مقال جلالة الملك جاء في وقت وصل فيه الأردن إلى درجة من الديمقراطية وحرية التعبير بمستويات عالية، واليوم عندما تتكلم وسائل الإعلام العالمية عن الشرق الأوسط، تتكلم أن هناك دولتين تتمتعان بأعلى قيم حرية التعبير ووضعت الأردن ضمن هاتين الدولتين مع تونس، كما أن جلالة الملك ومنذ استلامه سلطاته الدستورية أكد أن الحريات سقفها السماء ونادى جلالته أن يكون للحريات سقوف حدّها السماء، ولكن بطبيعة الحال يجب أن تكون لهذه الحريات حدود مسؤولة تراعي حقوق الإنسان، والإبتعاد عن اغتيال الشخصية، والإشاعات والأكاذيب، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على سيادة القانون.
ولفت إلى أنه على المواطن مسؤوليات وواجبات فيما يخص تبادل المعلومات، حتى نبعد المشهد عن العشوائية السلبية التي يمر بها، وذلك من خلال المهنية والمصداقية، عبر الإعلام النمطي من صحف ووسائل اعلام الكترونية ومرئي ومسموع، حيث تبقى الوسائل الأكيدة التي لم تنجرف وراء الشائعات والأكاذيب، والنيل من الشخصيات، منبها أن جلالة الملك الذي أعاد في مقاله الألق للإعلام النمطي، شدد على ضرورة المهنية وواجب ايصال المعلومة الصحيحة والدقيقة، وبذلك المخرج الأساسي للتخبط الذي نعيش والذي تحدث عن تفاصيله جلالة الملك في مقاله.
وأشار د.بدران إلى أن جلالة الملك أشّر بوضوح للسلبيات التي يشهدها موضوع تبادل المعلومات، والمشكلة أنه لا توجد ضوابط للتعامل مع هذا الفضاء الواسع، الأمر الذي ترك لها مجالا لتنتشر انتشارا سرطانيا سلبيا، وتبثّ سموم اثارة الشكوك والإحباط، وتضخيم الشائعات والنقد السلبي، لتتضخم السلبيات وتصبح ككرة الثلج تزيل الثقة، وتبعث للإحباط.
وقال ان جلالة الملك حدد السلبيات بوضوح فيما يخص منصات التواصل الاجتماعي، موجها في الوقت ذاته أن تكون هذه المنصات أداة للبناء واللحمة الإجتماعية وترسيخ الوحدة الوطنية، والنسيج الاجتماعي، والأهم تعزيز المواطنة، وهذا يتطلب أيضا جهودا لإعادة الثقة بالحكومات، وهذا أيضا وفقا لجلالته بحاجة الى شفافية وتقديم المعلومة السريعة والصحيحة.
وبين د.بدران أن ما نحتاجه اليوم جهاز اعلامي حكومي جيّد وعلى الحكومة أن توسع قاعدتها الاعلامية، وتضع اعلاما يقابل منصات التواصل الإجتماعي، كما أننا بحاجة لضوابط تشريعية في هذا الأمر، إلى جانب اعلام مقابل ايجابي من خلال جهاز اعلامي قوي يقدّم الحقيقة، اضف لكل ذلك التربية والأسرة والإعلام، كل ذلك يقود لبناء سدّ منيع أمام المعلومات الخاطئة والإشاعات، بصيغ نحترم بها الإختلاف ولا نلجأ للكذب، كما أننا بحاجة للتربية من حيث التفكير في تنمية مهارات الفكر الموضوعي والتخطيط والاستنتاج.
وشدد د.بدران على أن جلالة الملك وضع طريقا واضحا للإعلام عليه التقاط تفاصيله، والسير به، بألق مختلف، وأهمية أشّر لها جلالته، ولذلك حتما نتائج ايجابية سنلمسها على أرض الواقع.
راكان السعايدة
نقيب الصحفيين راكان السعايدة، أكد إن ما كتبه جلالة الملك، وسبق أن تناوله بأشكال مختلفة في العديد من المناسبات، يعكس «الواقع المختل» الذي تسلل إلى منصات التواصل الاجتماعي، فبعضه ما أتى محمولاً على أجندات، وبعضه الآخر يعود لعدم القدرة على التمييز بين الحقائق والأكاذيب بوجه عام.
ولفت السعايده إلى أن التشخيص الملكي لواقع منصات التواصل الاجتماعي، يستدعي الاهتمام من مختلف المستويات الرسمية والأهلية، وانخراطها في المعالجة السياسية والثقافية التي تبني ثقافة مجتمعية راقية وديمقراطية، تحافظ على حرية الرأي والتعبير، وتدفع مستخدمي منصات التواصل إلى تعظيم قيم هذه المنصات وأهميتها بعيداً عن تناول خصوصيات الأفراد وتلفيق الأكاذيب وترويج الإشاعات بوجه عام.
وبين نقيب الصحفيين أن منصات التواصل الاجتماعي منحت أوسع الفرص لحرية الرأي والتعبير، وتوسيع فضاء ونطاق النقاش العام، فضلاً عن مراقبة ونقد الأداء وتقييم أفعال وأقوال المسؤولين على اختلاف درجاتهم، وهو الأمر الضروري والصحيح لتصويب الخلل ومعالجته بمختلف شؤون الدولة، كما من المفترض أن تستمر كأداة معرفة قيمة، وأداة نقاش بناء، وفضاء تعبير مهني موضوعي واحترافي.