طالب رئيس ديوان التشريع السابق الدكتور نوفان العجارمة الحكومة بتصحيح مسمى مشروع قانون البلديات واللامركزية الذي أحالته الحكومة مؤخرا لمجلس النواب ، وتسمية القانون بقانون الإدارة المحلية انسجاماً من مفهوم وفلسفة الإدارة المحلية المطبقة في كل دول العالم.
وأضاف العجارمة في منشور له على صفحته الخاصة بموقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك” :”لقد جاء مشروع القانون المقدم من الحكومة (مشروع قانون البلديات واللامركزية) بتسمية لم نألفها من قبل وهي تسمية غير صحيحة من الناحية الموضوعية ولم ترد في قاموس فقهاء الإدارة العامة او فقهاء القانون العام”.
وقال :” نجد بأن التسمية كما جاءت في مشروع القانون (مشروع قانون البلديات واللامركزية) فهذه التسمية المركبة تشير بان ثمة فارق بين (البلديات) و (اللامركزية) وفي حقيقة الأمر ان ما تقوم به البلديات من نشاط يندرج تحت صورة من صور اللامركزية الإقليمية او (الجغرافية كما أسلفنا) و ما تقوم به مجالس المحافظات أيضا هو صورة من صور اللامركزية الإقليمية او ( الجغرافية) وكل من هذين المجلسين ( المجلس البلدي) و مجلس ( المحافظة) تنطوي تحت مظلمة الإدارة المحلية ، و لا أدل على ذلك من ان تسمية الوزارة( بوزارة الإدارة المحلية في مشروع القانون ) لديل قاطع ان كافة صورة المجالس المنتخبة هي نوع من الإدارة المحلية”.
وبرر العجارمة مطالبته بتصحيح التسمية بالأسباب التالية:
اولاً: يقصد باللامركزية توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية وهيئات مستقلة إقليمية كانت أم مرفقية، تباشر وظائفها تحت رقابة الدولة. فاللامركزية تدور إذن حول التخلي عن بعض مظاهر النشاط الإداري في الدولة إلى هيئات فرعية تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة، ويتم تحديد اختصاص هذه الهيئات بأحد أسلوبين: إما على أساس إقليمي(جغرافي) بحيث يكون لكل هيئة أن تباشر اختصاصاتها في نطاق إقليم أو بلده معينة، وإما أن يتحدد على أساس وظيفي فيعهد إلى كل هيئة بإدارة نشاط أو مرفق معين.
ثانياً: تأخذ اللامركزية الإدارية في العمل إحدى صورتين : الأولى: (اللامركزية الإدارية الإقليمية) وتتحقق هذه الصورة من صور اللامركزية عند تقسيم إقليم الدولة إلى وحدات جغرافية: كالأقاليم أو المحافظات أو المدن مثلاً، بحيث يعترف المشرع لكل منها بالشخصية المعنوية وباستقلال في مباشرة المرافق المحلية المختلفة التي تهم مجموع السكان الكائنين في نطاقها، وذلك تحت إشراف الحكومة المركزية ورقابتها وهي ما تعرف باسم الإدارة المحلية. و الثانية (اللامركزية المصلحية أو المرفقية) وتعد هذه الصورة ضرورة حتمية لعجز الدولة عن القيام بمختلف أوجه النشاط الاقتصادي والاجتماعي التي أملتها عليها المذاهب الاشتراكية أو مذاهب الاقتصاد الموجه في العصر الحديث، فهي تعد في الواقع أسلوباً متطوراً من أساليب التنظيم الإداري، إذ تقوم على أساس منح بعض المرافق العامة على مستوى الدولة أو المحلية – والتي لا تتلاءم طبيعتها مع الأسلوب الحكومي المباشر في الإدارة- الشخصية المعنوية والاستقلال الذاتي في مباشرة نشاطها بطرق وأساليب تتلاءم مع طبيعة ونوعية هذا النشاط وتحت رقابة الحكومة المركزية واشرافها. فتوزيع الاختصاصات الإدارية يتم إذن في مثل هذه الحالة على أساس موضوعي، ومع ذلك فقد تمارس هذه الاختصاصات على مستوى الدولة ككل فتكون أمام هيئات عامة قومية، وقد تمارس على جزء معين من إقليم الدولة فتسمى حينئذ بالهيئات الإقليمية أو البلدية كمنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة
ثالثاً : لقد اخذ المشرع الأردني مبكراً بفكرة اللامركزية الإدارية ومنذ تأسيس الدولة الأردنية وهذا امر غير مستحدث في الادارة العامة الأردنية ، حيث اخذ المشرع بفكرة اللامركزية الإقليمية من خلال أول قانون متكامل للبلديات قانون البلديات لسنة 1938 ، وكذلك قانون إدارة القرى رقم (5) لسنة 1954 حيث منح القانون مجلس القرية صفة الشخص المعنوي . كما أخذ بفكرة اللامركزية المرفقية (المؤسسات العامة) كالجامعات وهيئات التنظيم القطاعية و غيرها من المؤسسات العامة.
رابعاً: يطلق معظم المشرعين على اللامركزية الإقليمية اسم الإدارة المحلية، وهذه هي التسمية الصحيحة، وأفضل من استخدام اصطلاح الحكم المحلي، و ينبغي في تقديرنا الابتعاد عن استخدام اصطلاح الحكم المحلي للدلالة على اللامركزية الإدارية، فاستخدام هذا الاصطلاح، يؤدي إلى خلق نوع من الغموض وعدم التحديد، كما يؤدي إلى الخلط بين اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية مما يعطي انطباعاً خاطئاً بأن الهيئات المحلية تباشر اختصاصات تشريعية ودستورية كما هو الحال بالنسبة للولايات في النظام الفيدرالي.
خامساً: لا يوجد إلزام دستوري على اتباع تسمية محدد لقانون ما ، فالدستور يأتي بحكم كلي تاركاً موضوع التنظيم لتقدير المشرع بما في ذلك تسمية القانون ، وبالرجوع الى احكام المادة (121) من الدستور نجدها تنص على(الشؤون البلدية والمجالس المحلية تديرها مجالس بلدية او محلية وفاقاً لقوانين خاصة) فالمشرع الدستوري تكلم عن أمر كلي هو ( الشأن البلدي) ولم يفرض تسمية ما بل ترك هذا الأمر لأحكام القانون وبالتالي تكون التسمية من اطلاقات المشرع والتي لا رقابة عليها في هذا الشأن. فالمادة (121) تحدثت عن الشؤون البلدية والمجالس المحلية ( بصيغة العطف و ليس التخيير) ثم ترك المشرع الدستور السلطة التقديرية للمشرع العادي في كيفية إدارة هذه المجالس – وقد استقر العرف على اداراتها من قبل مجالس منتخبة- حيث اوجب ان تديرها مجالس بلدية أو محلية ( أو ترك الخيار للمشرع العادي في هذا الأمر ) وهذا يؤكد بان المجالس المحلية ما هي إلا نوع من المجالس البلدية .
سادساً: تعني عبارة “المجلس المحلي” بمعناها الواسع جميع المجالس الإقليمية، فتشمل مجالس البلديات ومجالس القرى، وتعني عبارة “المجلس المحلي” بمعناها الضيق المجالس التي كانت معروفة في الضفة الغربية ( قبل وحدة الضفتين في عام 1950) والتي صلاحياتها أكثر من صلاحية المجالس القروية وأقل من المجالس البلدية ، لذلك نص قانون البلديات رقم (17) لسنة 1954 على اعتبار جميع المجالس المحلية مجالس بلدية حيث تنص المادة (105) منه على: تلغى جميع القوانين والأنظمة العثمانية والأردنية والفلسطينية السابقة المتعلقة بالبلديات والمجالس المحلية غير أنه يشترط في ذلك ما يلي :أ . ان تعتبر جميع البلديات والمجالس المحلية الموجودة حين نفاذ هذا القانون مجالس بلدية مشكلة بمقتضى احكامه وان تبقى قائمة بأعمالها إلى ان تستبدل بمجالس بلدية تنتخب وفاقا لأحكام هذا القانون….) .
سابعاً: لقد جاء (قانون اللامركزية رقم 49 لسنة 2015)بتنظيم قانوني لاحد صور المجالس المحلية ،فالمجالس المحلية هي نوع من المجالس البلدية تباشر ما يعهد به إليها من وظائف إدارية بشكل مستقل عن الحكومة أو السلطة المركزية، فالاستقلال هو الأساس القانوني لقيام هذه المجالس ويتحقق هذا الاستقلال في الواقع بتوافر عدة عناصر منها: الاعتراف لهذه المجالس بالشخصية المعنوية ، وأن يكون لها ممثل يعبر عن إرادتها ويباشر اختصاصاتها و أن تكون هناك مجموعة من المصالح المحلية المتميزة عن مصالح الدولة ، وأن تكون لها موارد مالية تسمح لها بالقيام بواجباتها ( وكل هذه العناصر جاء بها قانون اللامركزية ).