بلال حسن التل
كنت على مقربة زمنية من زيارته عندما جائني نباء نعيه يوم الجمعة الماضي ،فقد انتقل الدكتور أحمد يوسف التل “أبو حازم”إلى الدار الآخرة بعد حياة حافلة ثرية في الميادين العسكرية والتربوية والسياسية والفكرية في إطار من الدفق والدفء الإنساني والدماثة التي تميز بها كلها أبا حازم.
بالنسبة لي لم يكن الدكتور أحمد يوسف التل مجرد قريب تربطني به قرابة الدم،بل هو جزء أصيل من ذاكرتي السياسية والاجتماعية،فقد كان هو مديرا للتربية والتعليم في اربد وكان مساعده الفني ابن اخته إبراهيم فضيل التل أما مساعده الإداري فكان الأستاذ ياسر أبو الحسن رحمهم الله جميعا ورغم التباين الفكري الحاد بينهم إلا أن ذلك لم يؤثر على عملهم بعدل وإنصاف كما لم يؤثر على علاقتهم الشخصية وأعتقد أن سعة أفق الأستاذ أحمد لعبت دوراً مركزيا في نسج هذه العلاقة المهنية والإنسانية.
في تلك المرحلة كنت أنا في الصف الآخر، ناشطا طلابيا مشاكسا، وهو أمر لا يروق للمسؤولين التربويين،فكان الأستاذ أحمد يشكوني لأبي وجلسائه من الأقارب في “البيت الحديث”وهو معرض تجاري في اربد كان يمتلكه أبناء عمومة يلتقي به عدد من رجالات العشيرة قبل انتقالهم إلى المضافة، ولأن شكوى الأستاذ أحمد كانت تتم هناك فلم تكن شكوى جادة ،علمت فيما بعد أنه ومساعدية كانوا فرحين على الصعيد الشخصي بنشاطاتي الطلابية،فوصلوا إلى معادلة تحقق التوازن بين أداء الواجب الرسمي والانضباط وبين إعطاء الطلاب مساحة للتعبير عن آرائهم وممارسة نشاطاتهم اللاصفية،وهذه أيضا من الصفات القيادية التي يتصف بها الدكتور أحمد يوسف التل رحمه الله.
وفي مرحلة اربد كان منزل الدكتور أحمد ومنزلنا في نفس الحي الذي كان يعرف بحي “التلول الجنوبي”الذي ضم فيما بعد جامعة اليرموك،وهذا التجاور في الحي إضافة رابطة جديدة بين أبناء الأسرتين غير رابطة القربى،مازالت الكثير من ذكرياتها راسخة في أذهننا وعززت علاقاتنا في المراحل القادمة،وجعلتني أكتشف الكثير من جوانب الثراء في شخصية الراحل الدكتور أحمد يوسف التل التي امتزجت في حياته العملية العسكرية عندما كان ضابطاً في القوات المسلحة الأردنية قاتل مع شقيقه القائد عبدالله التل وثلة من أبناء عمومته في فلسطين عام ١٩٤٨ثم حاكما إداريا ليكمل بعد ذلك مسيرته التربوية معلما فمدير مدرسة فمشرفا تربويا فمستشارا ثقافيا في سفارتنا بباكستان إلى أن أصبح أول أمينا عاماً لوزارة التعليم العالي عند تأسيسها، لينتقل بعد ذلك إلى التدريس الجامعي الذي أثره بإنتاجه الفكري بعد أن أرخ لتطور النظام التعليمي في الأردن في أطروحة علمية لاغنى عنها لكل من يريد فهم تاريخ التعليم في الأردن الأردن وتطوره،وقد توالت مؤلفاته في مجالات التعليم والفكر والسياسة والتاريخ،حتى سنواته الأخيرة حيث ظل حاضر الذهن حتى وفاته التي تشكل خسارة وطنية لقامة وطنية،عاشت قناعتها ولم تمارس فصاما نكدا بين القناعة والسلوك حتى كلفه ذلك الصدام مع مورث بال،كما أننا خسرنا برحيله شخصية ذات بعد إنساني منفتح على الحضارة والإنسانية،دون أن ينخلع من جذوره رحمه الله.