يعيش الإنسان حياة الألفة والمودة مع أخيه الإنسان، ويتمنى على الدوام حياة دائمةً، ولكنّ هذه الدنيا، كلّ شيء فيها له نهاية.. حتى نحن!!. ومن عجائب هذه الدنيا أن الذين يغادروننا يبقى لهم ذكريات في جدار الزمن، فها هم الأبناء والأحفاد يعيشون على ذكريات آبائهم وأجدادهم ممن أمسوا والرّمس مثواهم.
والإسلام ليقرر زيارة المقابر، لتكون ما بين أداء الواجب من الأحياء بالسلام على الأموات، وأنّ الأموات يستأنسون بزيارة الأحياء، ولسنا بصدد الحديث عن متعلقات الزيارة الفقهية والعقدية، ولكننا حينما نرى حرصَ الناس على زيارة الأموات في مواسم الأعياد، فذلك يذهب بنا إلى عظمة الترابط الأسريّ في مجتمعاتنا التي تنبني على مبدأ احترام الكبير حتى بعد غيابه. وزيارة المقابر من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا فزوروها). حيث تكون مؤانسة بين الزائر والمَزُوْرِ.
وما أعظمها من مواقف إيمانية!!، يقف الزائر على قبر مَن غاب، مِن الأهل والأحباب، ليذكر حسناته، ويستغفر له، ويطلب له الرحمة من الله، ودخول الجنة، وفي ذلك ذكرى للذاكرين، وفي الزيارة نستشعر مدى التكافل بين الناس: حيث الحرص على أرضية المقابر، من حيث الهدوء، والسمت، والتزام آدابها من الخشوع والتواضع، وهناك المحافظة على النظافة والخدمة من السقيا، وتقديم العون للناس، ما أمكن.
وفي العيد يتزاور الناس بينهم، ثمّ هم لا ينسون الذين فارقوهم عن قريب، من أقربائهم وأحبابهم، فيجعلون من العيد فرصة سانحة للوصال لهم، بل قد يستمدّ الأنسان من الزيارة معنًى آخر للحياة، بأنه وإن طال به العمر زائرًا فسيكون يومًا مزُورًا، وأنّ الحياة تأبى إلا أن يكون الوصال عنوانها، حتى بعد انتهاء الأجل. فليكن وصال الأحياء للأحياء دائم لا ينقطع، بالكلمة الطيبة والفعل الحسن، لتكن للزيارة –يوما ما- ذكرياتها الجملية، ودعواتها الجليلة.