الدكتور علي القضاة
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا
القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، أبدأ معكم من جديد بـ(شذراتي العجلونية)، نتذاكر في كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، لنطوف العالم بشذراتنا، راجياً أن تروق لكم.
تتار القرن العشرين
عندما نتحدث عن جرائم الروس، وتآمرهم على الأراضي المقدسة المسيحية منها والإسلامية، منذ ما قبل سايكس بيكو؛ فإننا لن ننسى الحديث عما ارتكبه تتار القرن العشرين (الروس) من انتهاكات بحق الأرض والإنسان؛ في البلقان، ولا جرائمهم في الشيشان، ولا مذابحهم التي ارتكبوها في القرم، وفي تركستان، وكذلك عن هزيمة الروس في بلاد الأفغان. فإننا نتحدث عن طبع أصيل، ضاربة جذوره في أعماق تاريخهم الأسود، وحضارتهم الحمراء القانية بلون الدم المسفوك، منذ عهد روسيا القيصرية، إلى روسيا الشيوعية، وروسيا البوتينية، حضارة تزكم الأنوف، لتنوع وتعدد جرائمهم بحق العرب والمسلمين، في شتى أنحاء المعمورة، وسنرى معاً، كيف أنها أبداً ودائماً، روسيا القاتمة السوداء، التي أبادت ملايين البشر عبر تاريخها الدموي.
جرائم الحرب في البلقان
حديثنا عن جرائم البوسنة والهرسك، وعن الهمجية التي لم يشهد التاريخ مثلها، حديث معاصر عايشناه جميعنا، وشهدنا على ما تعرض الشعب البوسني على مدار أربع سنوات كاملة، من الصرب بدعم روسي منقطع النظير؛ القتل الجماعي لذكور بين سن 14 وسن 50 عاماً، ودفنهم بمقابر جماعية، وأشهرها “مجزرة سربرنيتشا” واغتصاب الأطفال والنساء، التنكيل والتهجير والتعذيب، تدمير البِنى التحتية، على يد المجرم الصربي كارادزيتش، وما صاحب ذلك من تواطؤ دولي، وخنوع أممي، سيبقى وصمة عار في جبين البشرية، وفي وجه الأمم المتحدة (UN)، التي أعلنت أن سربرنيتشا منطقة آمنة تحت حمايتها، ولم تفعل شيئا وقت المذبحة.
دمروا أكثر من 800 مسجد، وقتلوا ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺃﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻭﺍﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ ﻭﺭﺟﺎﻝ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ، وكانوا ﻳﻘﻴﺪﻭﻧﻬﻢ ﺛﻢ ﻳﺬﺑﺤﻮﻧﻬﻢ ﻭﻳﺮﻣﻮﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺮ، إلى الحد الذي تحولت فيه مياه النهر للون الأحمر من الدماء، وحرقوا أكثر من مليون ونصف كتاب ومخطوطة، كما فعل التتار في بغداد، بدعم القوة الروسية عسكرياً ومعنوياً. وبعد عشرين عاماً على المجزرة 2015، ترفض روسيا اعتبار مذبحة سربرنيتشا إبادة الجماعية، ولذلك استخدمت حق النقض الفيتو ضد قرار مجلس الأمن. ولكن دماء الأبرياء في مجزرة القرن العشرين ستبقى لَعَنات تطارد التاريخ الروسي، وأتباع روسيا، ومحبي روسيا، ومؤيدي روسيا في إجرامها، الذي ما زال قائما في سوريا الآن.
جرائم روسيا الشيشان
لا تزال الشيشان منذ حرب القوقاز في عهد بطرس الأكبر في القرن الثامن عشر، مقصداً لهجمات الروس الهمجية. لكن انتهاكات الروس الهمجية ضد الشيشان التي شهدتها البشرية بدايات القرن الحادي والعشرين، كانت انتهاكات ترتقي إلى مستوى جرائم حرب، فقد نددت بها منظمات حقوقية عالمية.
بعد تولي بوتين رئاسة البلاد، بيوم واحد عام 2000، بدأت مجازر جديدة في الشيشان؛ ورفع بوتين شعارات الحرب للقضاء على المسلمين في القوقاز. وخلال شهر واحد فقط من القصف الجوي دمر بوتين 60% من البنية التحتية للشيشان، إذ إن كانت سياسته هي سياسة الأرض المحروقة.
فقد أزيلت في جمهورية الشيشان غالبية الجسور، ومعظم محطات الكهرباء، وأبراج الهاتف والاتصالات، وحاصرت القوات البرية الروسية الشيشان من كافة الاتجاهات، وخلفت خسائر يصعب حصرها.
مذابح الروس في تركستان
احتلت روسيا تركستان ما يزيد عن قرن من الزمان، وعاش شعبها خلالها تحت حكم القياصرة الروس، وسطوة كنيستهم الأرثوذكسية، حياة مليئة بالمجازر، أقام الشيوعيون مذابح دموية بشعة بحق المسلمين، من أبرزها مذبحة عام 1920.
لا تزال تركستان تعاني من هذا الميراث الشيوعي المجرم، فقد دمّر الشيوعيون وحدها 6682 جامعاً ومسجداً، وحولوا تركستان من إحدى قواعد المعرفة والعلم في العالم الإسلامي، إلى أطلال دولة خاوية على عروشها. وأفرطوا في الدعاية لأفكار ماركس في النوادي والمدارس والوسائل الإعلامية، ولم يجد المسلمون طريقة لحفظ دينهم، إلا ببناء مدارس قرآنية تحت الأرض بعيداً عن أعين الماركسية.
مذبحة المسلمين في القرم
تعد مذابح الروس في شبه جزيرة القرم التي حصلت في القرن التاسع عشر، وشنَّها الشيوعيون على أهالي المنطقة، مذابح رائحتها تزكم الأنوف، وهي من أكثر المذابح التي وثقتها صفحات التاريخ ضمن قائمة الجرائم الإنسانية الأشرس في العالم، حيث سقط فيها ما يزيد على نصف مليون مسلم على أيدي القوات الروسية، فيما شرد الشيوعيون أضعافهم خارج بلدانهم. يعيش من بقي في تلك الجزيرة فإنه حياة بلا معنى، ولا روح؛ وهم يعانون من جهل شديد بأمور دينهم، فقد تقلَّص عدد المساجد من 1200 مسجد إلى 7 مساجد فقط، فلا يعرفون الصلاة وأحكامها. وبلغ مجموع المدارس والكتاتيب التي أقفلوها 7052 مدرسة.
روسيا وأفغانستان
تشير الشواهد التاريخية إلى أن التدخل السوفيتي في أفغانستان يعود إلى عام 1873، ولكن حربها الأخيرة التي استغرقت فيها عملية التدخل العسكري السوفيتي في أفغانستان ثلاث (3) ساعات فقط نهايات 1979، ودامت بعدها عشرة سنوات؛ مارس فيها الجيش الروسي كل أنواع التنكيل والتعذيب والقتل، وصل عدد الشهداء فيها قريبا من مليون شهيد، ولكن روسيا خرجت فيها مندحرة عام 1989، وكانت خسارتها من أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي لاحقاً.