احمد سعد العنانزه
كفرنجة تلك المدينة العتيقة ، الرّابضة على جزءٍ كبير من جبال عجلون ، كانت ولا زالت الأيقونة الأكبر بين قريناتها من قرى وبلدات المنطقة ، سكّاناً وحضوراً وتميّزاً وعنواناً ، تفرّدت عن مثيلاتها بطبيعتها الجغرافيّة الممتدّة من مركز المحافظة وخيط اللّبن شمالاً وشرقاً ، ومنطقة الأغوار غرباً ، إلى منطقة البلقاء جنوباً ، تفرد أجنحتها بساكنيها القابضين على جمر الفقر والإهمال بكلّ محبّةٍ للوطن ، لترى بأمّ عينك مناطق عجلون والسّلط والأغوار وفلسطين من مكانٍ واحد .
عانى أهلها ويلات ضنك العيش منذ أواخر الأمبرطوريّة العثمانيّة ، وحتّى يومنا هذا ، حيث لا زال يصارع ويجالد أهلها عبث الإهمال والتّردّي ، ويتشبّثون بآمالٍ مغلّفةٍ بآلام بحر الهموم وغياهب النّسيان ، حيّث زفّوا للوطن الشّهداء من فلذات أكبادهم في كلّ معركةٍ خاضها الوطن وخصوصاً تلك الّتي فرضها الكيان الصّهيوني الغاشم على أرض فلسطين . أو تلك المعركة الخالدة بالكرامة عندما حاول العدوان الغاشم الإعتداء على الأردن ، وظلّ أبنائها على مرّ الزّمن يلعقون جراحاتهم ، ويتغنّون بالوطن وقائد الوطن ، أحبّوا كفرنجة التّي تفتّحت عيونهم على جبالها وأوديتها وعيونها ، واشتمّوا عبقها المضمّخ برائحة السّنديان والطّيّون ، فسكنت قلوبهم وأوردتهم ، حتّى باتت قطعة من أجسادهم لا سبيل للنّفس أن تتقبّل غير أرضها .
كفرنجة الّتي اكتظّت بساكنيها ال50 ألف اليوم ، حيث سوء التّنظيم والإدارة ، من ناحية ، وظلم الحكومات المتعاقبة لها بإهمالها القاهر ، ترك أثر الغبن في نفوس أهلها ، حيث ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وبلغت القلوب الحناجر ، لا مصانع ولا جامعات ولا مستشفيات ولا شوارع ولا حتّى مدارس في بعض جنباتها ، باتت تتقلّب على جمر القهر والأسى والمعاناة ، لا تسمع فيها إلاّ كلّ يشكوا همّه لآخر يحمل هموماً أكبر منه .
فما أن يصل القادم إليها من عمّان وجرش أو من إربد وعجلون ، سواءاً كان من ساكنيها ، أو العابرين منها باتّجاه الأغوار والعقبة ، تبدأ المعاناة مع الشّوارع المزدحمة والضّيقة ، حيث الشّارع هو نفسه الّذي يصلها منذ قرنٍ من الزّمان ، ولك أن تقارن بين بضع سيّارات مع بداية القرن الماضي ، وآلاف السّيّارات في هذا الوقت ، وبين بضعة آلاف من السّكّان ، بعدما قفز الرّقم إلى عشرة أضعاف ، وكذلك المباني والمتاجر وغيرها من المضاعفات .
هموم بمختلف المجالات وعلى كلّ المستويات ، لا سبيل للخوض بمرارتها إلاّ فرادى وحسب أهمّيّة كلٍّ منها ، أرى أن أبدأ بإهمال التّنظيم والشّوارع ، بحلقاتٍ متسلسلةٍ علّ وعسى أن تجد آذان صاغيةٍ تسمع ما كان يجب عليها سماعه منذ سنينٍ طويلةٍ وقبل تفاقم الأمر سوءاً يوماً بعد يوم ، وتدفعني الأولويّات لدى الوصول والإنعطاف صعوداً إلى جهة اليسار ، لتبدأ المعاناة الحقيقيّة الأكثر إيلاماً ، وأنت ترى إنحداراً ضيّقاً لمسافة 200م يواجهك المصلخ الّذي جثم بين البيوت ، وأخذ يبعث أسراب الحشرات أفواجاُ ، وقد امتزجت هبّات المساء مع الرّوائح الكريهة المنبعثة من مخلّفاته اليوميّة .
وبالإنعطاف إلى اليمين بعد المصلخ لإكمال الصّعود ، نصل إلى مفترق طريقين ، على اليمين باتّجاه الغرب شارع جابر من مسعود النّافذ من حارة حمّوره ولمسافة تصل 1كم سيأتي الحديث عنه لاحقاً ، ولليسار قليلاً نكمل الحديث عن الشّارع الّذي آثرنا الحديث عنه ، شارع الملك طلال “العنانزه” والّذي يعتبر بالمرتبة الثّانية بالنّشاط التّجاري في كفرنجه ، والأوّل بالإكتظاظ والإزدحام والتّآكل ، حيث تسابق المجاورين وعلى امتداد الشّارع ، بالتّعدّي وقضم جزء منه كلّ حسب حصّته من الأرض وعلى الجانبين ، وعلى مرأى ومسمع المجالس البلديّة السّابقين ، فاختفى جزء كبير منه وكأنّ أمراً لم يكن ، ومع مرور الزّمن وتطوّر الحياة ، أصبح كلّ بيت على جانب الشّارع يمتلك سيّارة أو أكثر ، ولك أن ترى في المساء كيف اصطفّت السيّارات على الجانبين ، بحيث لم يتبقّى من شارع رسم على الورق 30م ، إلاّ مساحةٍ ضيّقة لا تكفي إلاّ لمرور سيّارة واحدة ، فكيف السّبيل إن واجهتك سيارة بالإتّجاه المعاكس ! وممّا يميّز هذا الشّارع سواءاً أكثر ، عدم وجود أي تفرّع أو منافذ أو مهرب ، سوى أزقّةٍ غير نافذةٍ على الأرض ، مع أنّها جميها نافذة على الورق .
يمتد الشّارع على هذا الحال خلال حي العنانزه مروراً ما بين المركز الأمني ومدرسة كفرنجة الثّانويّة ، إلى حي أم مغامر غرباً وينعطف إلى اليمين نزولاً ليرتبط بوسط البلد من الجهة الغربيّة . ولنا أن نشير إلى أنّ هذه المسافة الأخيرة نزولاً هي الأسوأ على الإطلاق ، والأكثر تعدّياً من المجاورين . وبالعودة للحديث عن الشّارع بشكلٍ عام ، وتحديداً قبل المركز الأمني بعشرات الأمتار ، تبدأ معاناة أخرى للقابعين في أعالي جبال كفرنجه ، حيث التّفرّع إلى جهة اليمين بصعودٍ حادٍّ جدّاً ، باتّجاه حي نمر وبلدة بلاّص ، فبالرّغم من أنّ مسافته لحي نمر لا تتجاوز ال 1كم ، ولكن عجزت المجالس البلديّة ومديريّة الأشغال قبل التّنظيم ، من توسعة الشّارع ، وكأنّهم بانتظار الأهالي ليقضموا أطرافه أسوة بما فعل سابقيهم في الشّوارع الأخرى . حيث يخدم هذا الشّارع بالإضافه إلى ما سبق وعلى طول امتداده مناطق الجباليّه والعنانزه جنوباً .