رمزي الغزوي
ابتكر واحد من الفنانين المهزومين ذات وجعٍ مكتوم طريقة لطيفة للتفريغ عن احتقانات النفس وخلجاتها؛ فصمّم غرفة أسماها: «غرفة التنفيس». كاتمة للصوت بعيدة عن كل عين. ما عليك إلا أن تقطع تذكرة بسعر زهيد وتدخلها؛ (لتفشّ) ما في قلبك من غضب، على شكل شتائم ذات دسامة، أو بهيئة بكاء بدمع ساخن، أو كضحك هستيري مجنون، أو حتى لكماً للجدران.
عنّت على بالي هذه الحركة لما قرأت خبراً بثته وكالة رويترز العالمية قبل يومين من عمان، تذكر فيه افتتاح غرفة الفأس للتنفيس عن الغضب الذي سببه كورونا، وما تلاه من احتقانات. وحسب الخبر فبوسعك إن كنت حانقا أن تدخلها وبيدك مهدّة (مطرقة كبيرة)؛ لتصب جام غضبك على حواسيب وتلفزيونات قديمة، فتكسرها بعنف عنيف؛ حتى ينطفئ بركانك.
الفكرة قديمة متجددة. فالتكسير من أكثر الطرق التي يفرغ فيها الغاضب عن غضبه. ففي أوروبا تخصص بعض المقاهي غرفة خاصة للزبون الغاضب، تقدم فيها أطباقاً زجاجية، يقذف بها الحائط أمامه. وله بالطبع أن يتخيل صورة من يشاء على ذلك الحائط المخبوط.
وأتذكر هنا زيارتي إلى صديقي مباركاً بزواجه، وكيف أنه قدم لي القهوة بفنجان بلاستيكي معتذراً، بأنه لم يبق ماعونُ زجاجٍي في البيت. فكل شي قابل للكسر كسراه. وقال موضحاً: إذا غضبت أنا؛ كسرتُ صحناً وفنجاناً. عندها تردُّ عليّ العروس بكسر صحنين اثنين، وثلاثة فناجين، ودزينة كاسات. وهكذا بتنا نأكل بصحون الورق وملاعق البلاستيك. يومها هممت أن أعيد معي المزهرية التي جلبتها هدية لهما.
لم ينقل لنا خبر رويترز شيئاً عن تكلفة الدخول إلى فرفة التنفيس العمانية لتكسير التلفزيونات والحواسيب القديمة، مع أنه ذكر أن القائمين على المشروع سيضمنون السلامة العامة للزبون. ولكني أستطيع أن أخمن أن تذكرة الدخول لمرة واحدة لن تكون أقل من عشرة دنانير في اي حال من الأحوال.
ولهذا سيغضب مني حتى الشاب الهادئ ويقول: لو أني أملك عشرة دنانير في جيبي الآن، لن أكون غاضبا أبداً. فبها أستطيع أن أبطح أكبر حبة «برغر»، مع علبة تبغ، وعبوة مشروب للطاقة، وستراني أهدأ من قط نعسان.
الكورونا نكّلت بنا ودهستنا، ولعنت سنسفيل أيامنا وخططنا، ودمرت نفسيتنا وفاقمت غضبنا. ولكني لست مع ثقافة التكسير بحجة تفريغ الغضب؛ ولهذا سأعيد مطالبتي الحكومة، أن تراعي الجوانب النفسية للمواطنين. كلنا نحتاج علاجاً، وكلنا نحتاج إلى تبريد براكيننا بطرق آمنة.