د. عبير الرحباني
لم تأت زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيت فيروز ( بيت الرحابنة) من فراغ.. بل ان زيارته الى ذلك المكان المتواضع المعطر بالاصالة كان بمثابة رسالة عميقة الى لبنان .. بما فيها شعبها وحكومتها ودولتها وجمهوريتها.. وكانت بمثابة رسالة عميقة الي بغض الدول الطامعة في لبنان..
زيارة ماكرون الذكية الى بيت فيروز والتي تشكل الضلع الثالث المكمّل لمثلث الفن الرحباني (عاصي ومنصور) والتي تعتبر المحطة الاولى له .. كانت بمثابة رسالة ليقول من خلالها، بان هناك وطناً اخر.. وان هناك لبنان اخر .. هو وطن الرحابنة الذي كان بمثابة شعاع الشمس المشرقة الذي احتاجه لبنان في ايامه العاصفة..
كما أن زيارة ماكرون جاءت ليقول من خلالها بان هناك مدرسة اخرى مليئة بالاصالة وبالحس الوطني وبالعطاء الصادق من دون مقابل .. هي مدرسة الرحابنة التي اضاءت قلوب الحزانى .. والتي لا يهزها رعد ولا تطفئها الريح .. مدرسة الاباء والابناء والاجداد .. مدرسة الماضي والحاضر والمستقبل.. فكانت مدرسة من الفن لاجل الفن لاجل الحياة لاجل المستقبل.. فكان المثلث الرحباني يحمل عميق الاثر في ترسيخ وطن صادق باللحن والكلمة .. وطن لم تستطيع حكوماته ولا وزراؤه ولا احزابه ولا ميليشياته في المحافظة عليه كما حافظ عليه وطن الرحابنة..
هذا الوطن الاصيل الذي لا علاقة له بالسياسين اللبنانين .. الذي حارب القهر والظلم والفقر باللحن والكلمة والصوت الفيروزي العظيم..
والتي اضاءت بغنائها سماء بيروت والشام وبغداد والقدس وعمان ولم تذكر في اغانيها الوطنية الرؤساء والملوك الكبار ما جعلها على وتر واحد مع معظم التيارات السياسية.. بل غنت للحب وللطفولة للقمر وللاوطان.. لانها تؤمن ان تراب الاوطان لا تزول..
فعندما ينبثق الفن الرحباني ممزوجاً بالوفاء والاخلاص من الاعماق يتدفق بسخاء الى الخارج فيلمسه الاخرون بقلوبهم واحاسيسهم.. هذه الشمعة غنت لبيروت وقبّلت بحرها وبيوتها.. والتي لم يحاول تقبيلها بحرها وبيوتها اي سياسي لبناني.. ولا اي حكومة من حكوماتها المتعاقبة ..
وغنت للشام واهلها وبردى ونسائمها.. غنت لعيون بغداد ولياليها.. غنت للقدس مدينة الصلاة لمساجدها وكنائسها لأسوارها وشوارعها .. ولطفل المغارة..
غنت لاجل من تشردوا ولأجل اطفال بلا منازل.. غنت لاجل من استشهد السلام لاجل السلام وذلك لتمسكها وايمانها بالقضية الفلسطينية.. غنت لعمان (عمان في القلب) وقد سكنت عيناها فيها.. غنت (اردن اهل العزم) فعرفتها وعرفت نشأة امة ضُربت على شرف فطابت مضربا.. فهذه الاغنية تأتي في السياق العام للرحابنة في تعاملهم مع الهاجس الوطني للاردن ولمدينة عمان فالاردن له مكانة خاصة في قلب فيروز وفيروز لها مكانة خاصة في في كل وطن جريح ..
نعم إنهم (الرحابنة وفيروز) الذين حافظوا على لبنان أكثر مما حافظوا عليه السياسيون اللبنانيون واكثر مما حافظت عليه حكوماته.. حاربوا القهر والظلم والفقر بالكلمة واللحن وكان لهم بصمة تاريخية ليس في لبنان وحسب.. بل بالعالم العربي والغربي ايضا.. صنعوا بصمة تاريخية عظيمة.. لم يستطع ان يصنعها اي سياسي لبناني او اي حكومة لبنانية أو اي رئيس جمهورية لبناني
فيروز التواضع والكبرياء في آن واحد .. من بيتك المتواضع يا فيروز بيت الرحابنة تبدأ رحلة فرنسا لتقول الى لبنان والى العالم بان هناك جمهورية ما زالت صامدة وخالدة .. جمهورية استطاعت ان تحافظ على لبنان على بحره وسمائه وترابه وتاريخه .. جمهورية لملمت معاناة الشعب وضمدت جراحه.. وصرخت في وجه الظلم ورسخت معاني الاصالة والانتماء والحب الصادق للوطن.. هي الضلع الثالث للرحابنة هي ( فيروز )… وفي نهاية مقالتي اتسأل لماذا يأتي تكريم العمالقة من خارج اوطانهم؟؟