معاذ مهيدات
يكون الحوار السياسي بين أطراف سياسية مختلفة، ويكون الهدف منه تقريب وجهات النظر من خلال احتكاكها السلمي المنطقي وبيان مواقف كل طرف وخصوصياته، وفي السياسة العصرية لا يوجد أي موقف نهائي للمشاركين في العملية السياسية، ويتم طرح وجهة النظر من جديد وبأسلوب جديد؛ لأنه ما كان بالأمس صحيحاً قد لا يكون اليوم كذلك، ودور الشخص وشخصيته وأسلوب طرحه تحدد مدى الثقة التي يخلقها في نفوس الآخرين، ويبقى العنصر الأساسي في الحوار هو الصراحة والصدق في التعامل السياسي، وإلى أي مدى يتم تقديم تنازلات من أجل الوطن.
والنزاعات التي تشهدها البشرية لم تنشأ بسبب الاختلاف وانما بسبب العجز عن الاتفاق على هدف مشترك يجمع الناس؛ فالحوار لا يدعو صاحب الرأي الى ترك موقفه السياسي، وإنما لاكتشاف المساحة المشتركة مع الأطراف الأخرى والانطلاق منها في النظر الى الأمور وتحليلها، والحوار بين الأطراف السياسية يفتح افاق التعاون، ومواجهة التحديات، ويدفعنا الى التخلي عن الخيارات العنيفة التي تمارس النبذ والإقصاء.
والحوار السياسي يساهم في تبديد حالة الجمود التي تعانيها القوى المتحاورة، كما يفتح افاق الحل والمعالجة لحالات ضيق الأفق في مجالات مختلفة، وتحجيم هواجس بعضنا عن بعض، ومحاصرة موروثات الماضي، وخلق عوامل الثقة المتبادلة على قاعدة احترام الرأي الآخر.
وإننا ضد كل اشكال الحوار التي تبرر الظلم، وبنظرة فاحصة الى المشهد السياسي العام، نجد ضرورة لتطوير منظومة سياسية فكرية منسجمة، تواكب متطلبات اللحظة التاريخية التي نعيشها، وبدون هذه المنظومة سنبقى نعيش الفوضى السياسية والفكرية، ونلهث وراء شعارات وعناوين لا تزيدنا إلا ابتعادا عن اهدافنا.
والانسان الذي لا يحسن الحوار مع من يخالفه الرأي لن يستطيع ان يطور علاقاته مع المتفقين معه، وذلك لأنه يفتقد القدرة المؤهلة لترتيب علاقاته مع كل الدوائر المحيطة به، حيث يستطيع الإنسان بمفرده التفكير في وطنه، ولكن لن نصل لنتيجة دون حوار جماعي منظم درءا للفتن.
ويعتبر الحوار السياسي إحدى أهم علامات الديمقراطية، وغالباً ما تكون الحوارات التي لا تؤدّي إلى نتيجة هي أن بعض أطرافها تحاول إقناع ذاتها بصواب موقفها، فهدفنا في الحوار هو المساعدة على وضع أسس حلّ مشكلة ما بشكل مشترك، وهذا يعني الاتفاق؛ ما يعني وضع خطوات عمل مشتركة، وشيء طبيعي أنه ليس كل فردٍ قادرا على الحوار بأسلوب حضاري، لذلك يجب تعلّم الحوار، وما أحوجنا للتعلم.