سهير جرادات
وبالعودة الى الموضوع الأساسي ، ونحن الآن على موعد مع بدء “محاكمة العصر ” وما ينتظرنا من مفاجآت متوقعة وغير متوقعة ، ومن إفادات وتسجيلات واتهامات واعترافات صادمة وبعيدة عن التصديق .. لكننا ننتظر بفارغ الصبر نتيجة المحاكمة التي يذاع بأنها علنية .. والنتيجة ستكون غير متوقعة كما كان الإعلان عن ” قضية الفتنة” منذ سبعين يوما غير متوقع..
ما زالت الذاكرة تختزن أحاديث متداولة عن ” أحداث 70″ ، إذ شهدت الساحة الأردنية ” الفتنة ” التي انتهت بوضع نهاية لوجود المنظمات التي كانت تهدد الحكم، و ” زعزعة ” أمن الوطن واستقراره ، إذ كانت تحاك في الخفاء ” مؤامرة ” ضده، والاستيلاء عليه ، ولغايات السيطرة على الوضع وإنهاء الخلافات القائمة بين الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية التي كانت مدعومة من ” جهات خارجية ” متملثة بالتيار الناصري المدعوم من النظام المصري ، وحركة البعث المدعومة من الحكومة السورية ، وغيرها من الأحزاب والقوى ، ولاحتواء الموقف شكلت ” الحكومة العسكرية ” جميع أعضائها من المؤسسسة العسكرية ، إذ ضمت سبعة زعماء وثلاثة ضباط من رتبة عقيد وثلاثة ضباط من رتبة رائد ، يرأسها الزعيم محمد داود ، لتحكم سيطرتها على البلد في فترة قصيرة ، لذلك عرفت باسم ” حكومة التسعة أيام “..
وطالت ارتدادات هذه ” الفتنة ” اغتيال أكثر شخصية اردنية محبوبة واستثنائية لقربها من الشعب وهمومه ، صاحب القلب الذي كان على الوطن ، الذي حاز على شعبية كبيرة ، وأصبح رجل دولة وتقلد العديد من المناصب ، وهو رئيس الوزراء الذي ما زال المواطن الأردني وبعد نصف قرن على رحيله يعده أيقونة للوطنية وشعارا لمكافحة الفساد ، لتواضعه ومشاركته للناس همومهم ، حتى هتف باسمه الجيش والعشائر الذين أحبوه لنظافة يده ، وبعده من الفساد الذي كان المحارب الأول له ولحيتانه، والحامي للمال العام، الذي لم يستغل منصبه لنهبه، وكان يحافظ عليه بحزم وامانة ، لذلك وجدوا أنه يشبههم ويمثلهم ويشعربوجعهم وألمهم ويفهم لغتهم ، ولذلك التفت حوله العشائر الأردنية التي أجمعت على محبته لهيبته ووطنيته ، إلا أن الكره الشديد والعداء للشهيد البطل وصفي التل دعا كثيرين للمطالبة بإنهاء وجوده، والاسراع في اغلاق ملفه باغتياله .. لتأتي المحاكمة هزيلة ، ويتم الافراج عن المنفذين لعملية الاغتيال دون عقاب يناسب جريمتهم الشنعاء.
لا مناسبة للحديث الآن عن ” أحداث 70″ ، التي يحاول الجميع تجنب الحديث عنها كي لا يتهم بالاقليمية الضيقة ، حتى إنها غابت عن التوثيق عندما كان الأشخاص والأبطال الحقيقيون ما زالوا على قيد الحياة ،الذين كان مفروضا عليهم عدم الحديث أو الخوض بأحداث تلك الحقبة ، وتركت دون توثيق لغايات يعيها ويدركها المعنيين بالأمر ، ليبدأ الاهتمام والتوثيق بالقضية بعد أن انتقل غالبية المعاصرين المهمين إلى الرفيق الأعلى، لأسباب يعيها أيضا المعنيين بالأمر ، وما أن تم الافراج عن الحديث حول “أحداث 70 ” ، وعن ارتداداتها أيضا ، حتى بدأنا نشهد وبالعلن احتفالات تقام في ذكرى استشهاد “وصفي البطل” وبعيد ميلاده ، وبدأ الحديث عن صفاته ومقارنته بأمثاله بصوت جهوري عن ذلك الرجل الوطني النزيه شهيد الوطن وصفي التل !!..
والحديث يقودنا إلى ما عرفت حديثا باسم ” قضية الفتنة “وعن المعتقل الأكثر جدلا على الساحة الأردنية ، باسم عوض الله ، الذي جاء اعتقاله على خلفية علاقات مشبوهة واستغلال مجلس القدس للتطوير والتنمية لشراء اراض لصالح اليهود ، وجاء هذا الاعتقال بنظر الأردنيين متأخرا نحو تسع سنوات ، حين برزت إلى السطح الخلافات بينه وبين مدير المخابرات الأسبق الفريق محمد الذهبي الذي ما يزال يقضي آخر أيام حبسه في السجن ، وأوشكت مدة محكوميته على الانقضاء ، حيث حكم عليه بالحبس 13 عاما بعد إدانته بجريمة غسل الأموال واستثمار الوظيفة ، فيما ترك عوض الله دون محاكمة رغم ارتباط اسمه بملف التحول الاقتصادي ، حيث عرف بأنه عراب برنامج الخصخصة الذي لقي انتقاداً واسعاً على الساحة المحلية، عدا عن شبهة الاتجار بالبشر،إضافة إلى انه الشخصية الأكثر جدلا من حيث “البوح ” بمطالبته ب” الإصلاح السياسي الذي سيؤدي إلى المحاصصة والتمثيل النسبي للاردنيين من أصول فلسطينية بعد إنهاء المسألة الفلسطينية بأي طريقة” ..بحسب تسريبات “ويكيليكس” الشهيرة…
لا أعلم لماذا راودني الحديث عن “أحداث 70″ وارتباطها ب ” قضية الفتنة ” ، والكره الشديد لشخص وصفي الذي أصبح وجوده يهدد الكثيرين ، وأنا أتابع مجريات ” قضية الفتنة ” وإخلاء سبيل الموقوفين من أبناء العشائر وغالبيتهم من الأجهزة العسكرية ، وطريقة الافراج عنهم من خلال نقلهم وهم معصوبو العينين بسيارات إلى منطقة منعزلة ، وتركهم بعد تسليم هواتفهم الخلوية التي من خلالها تمكنوا من إرسال ” تحديد الموقع ” لمحاميهم وذويهم الذين تمكنوا من العثور عليهم بحسب أحد المحامين ، فيما يدور الحديث عن المحاكمة العسكرية، التي لو تمت فمن المتوقع حسب المختصين أن يكون الحكم عليهم يتراوح بين الإعدام والمؤبد والبراءة واخلاء السبيل” ، كما يدور الحديث عن أيد خفية لجهات خارجية تتدخل بمصير الأردن ، لكن دون ذكر أو إشارة رسمية لهذه الجهات الخارجية.
الغاية من المقال ليست ذكر الفتنة الأولى ولكن الهدف هو الربط بينها وبين الفتنة الثانية وبين شخوصها وأوجه الشبه بين بعض شخوصها والاختلاف بين شخوص آخرين .. وإن كان هناك الكثير من الفروقات، إلا أنه يوجد العديد من التشابه.
وبالعودة إلى ” أحداث 70 ” والحديث عن العميد محمد داود العباسي والمعروف باسم “الزعيم محمد داوود” الذي ترأس الحكومة العسكرية التي شكلت لحماية الأردن من الفصائل المنشقة عن منظمة التحرير ، والذي أعلن من القاهرة استقالته من منصبه مبتعدا عن ” قضية الفتنة ” بعد تلقيه لرسالة من ابنته (الوحيدة ) ، ناشدته ألا يقف ضد المقاومة ، بحسب ما ورد في كتاب «الطريق إلى رمضان» لمحمد حسنين هيكل ، وتصريحاته إلى قناة الجزيرة ، إلا أن المفارقة العجيبة أنه ولد في قرية سلوان الأكثر التصاقا بأسوار القدس وأبوابها في فلسطين، وهي القرية ذاتها التي شهدت ولادة رئيس الديوان الأسبق باسم إبراهيم عوض الله المهربشية، المعروف باسم ” باسم عوض الله البهلوان ” ، الذي حصل على الجنسية الأردنية عام 1987، وهو المتهم الأكثر جدلا في ” قضية فتنة 2021″ لتورطه في شراء أراضي القدس لبيعها للعدو، في الوقت الذي تشهد فيه مدينة القدس احدث يحاول فيها العدو المحتل الغاصب من خلال الادعاء الباطل وتزوير الحقائق إنتزاع حق العائلات الفلسطينية وسلبهم زورا وبهتانا ملكيتهم لبيتوتها ..ورغم محاولات ” عوض الله ” في لقاءات وتصريحات صحافية ” انكار ” العلاقة فيما بينهما ، إلا أن مقربين (جدا ) يؤكدون أن هناك صلة قرابة ونسب ودم تربطهما. ..