د. محمد القضاة
محزن ان يكتب احدهم مقالة يجلد فيها اهم منجز اردني يفتخر فيه الوطن، يتهمها بالتسول، وأنها تمد يدها للمتبرعين، اقول له ولغيره الجامعة ستبقى الام الرؤوم وعنوان الوطن وعقله العلمي، ولن تتاثر برأي حاقد أو ناكر جميل، وان ما قامت به لم تقم به الجامعة لأول مرة فقد أقامت في شهر حزيران عام 1990حملة تبرعات تحت رعاية الأمير زيد بن شاكر حين كان رئيسا للوزراء على المسطح الأخضر للجامعة حضره حينذاك جمعٌ كبير من اساتذة الجامعة واصحاب المال والأعمال على حفل عشاء وفاقت حصيلة التبرعات يومذاك ثمانمئة الف دينار في وقت كانت ظروف الدولة في احسن حالاتها، واليوم تقدم مبادرتها في وقت تعيش فيه الدولة الاردنية ظروفا مالية صعبة، فكيف لا تُحترم فكرة نبيلة تقوم على الإيثار والعطاء والتضحية لتطوير الجامعة والارتقاء بها، وماذا نقول لأرقى جامعات العالم وهي تقبل الهبات والتبرعات! وها هو قائد الوطن يقود حملة للتبرع للغارمات، ها هو العطاء في أبهى صوره، ولماذا نحسن جلد الذات ولا نفكر قليلا بنبل الفكرة وجديتها؟ والجامعة بدأت بأسرتها لكي ترسل رسالة محبة لابنائها الذين ينتشرون في عرض البلاد وطولها وفِي العالم لكي يثبتوا لأمهم وحاضنة ربيع أعمارهم انها ستبقى الوفية لهم حيثما كانوا وحلوا،وهذا اقل القليل لرد الجميل للأم التي احتضنت الأبناء ورعتهم حتى اشتدت سواعدهم وغدوا السفراء والاوفياء لرسالتها، ومن أولى منها بالدعم حتى تبقى دائمًا وأبدًا منارة علم وتميّز .
لا نريد ان نفتح مواجع الجامعات وما تعانيه من ظروف مالية صعبة، وقد اشار إليه وزير التعليم العالي في كتابه ” الدعم الحكومي للجامعات الاردنيه” الذي تناوله فيه اوضاع الجامعات منذ عام1962-2012، وكما نعلم ما يوزع على الجامعات العشر مبلغ قليل لا يتجاوز 72 مليون دينار سنويا في احسن حالاته وماذا يقدم هذا المبلغ للجامعات؟ وللاسف كانت هناك ضريبة للجامعات تم الاستيلاء عليها من قبل الحكومة، وكانت تصل احيانا الى اربعمئة مليون دينار، وحصيلتها كانت كافية لتطوير الجامعات والارتقاء بها، وحين تبادر الجامعة الاردنية بفتح أبواب الخير لأهل الخير في بلدنا لا يضع القائمون هذه التبرعات في حساباتهم وإنما لتطوير الجامعة كي تستمر في عطائها ودورها التنويري والعلمي والوطني، اقول لمحبي الجامعة ستبقى الجامعة اول السطر وآخره رغم كيد الكائدين ووجوه المرجفين، وستبقى هي العين والقلب والروح والجسد، ولن تحيد عن دورها الذي بناه المخلصون من أبناء الوطن، و مطلوب من أبناء الجامعة اساتذة وطلبة ان يشمروا عن سواعد الجد للعمل، ومن يعارض ويتأفف ويبحث عن السلبيات عليه ان يقرأ رسالة العلم الحديث الذي يرفض افكار الماضي، ويبحث عما هو جديد، نحن امام تحديات كبيرة وظروف صعبة ورغبة علمية جادة، وهذا يؤكد الحاجة الى تجاوز الثقافة السلبية الى ثقافة العمل والابداع والمثابرة، وعلى الجميع ان يشارك في إعادة الألق لجامعته التي يجب ان تعود إلى سابق عهدها مركز إشعاع وتنوير وتميز وهو ما ينقلها الى المنافسة العالمية والوصول الى مخرجات علمية يتحدث عنها المجتمع، ومن لا يستطيع المشاركة نتمنى عليه ان يتريث ويقرأ بتمعن رسالة الجامعة وخططها الاستراتيجية من جديد كي يدرك أن كل شيء يتغير، فنحن في ألفية ثالثة لا تقبل السكون والاستنامة.
لا نريد ان نقرأ مقالات تغرد في السراب والخراب والسلبيات، لا تغني ولا تسمن من جوع، اقول لا مجال للتقاعس ودفن الرؤس ومن لا يعجبه التغيير والتجديد والتطوير عليه ان يقدم البديل، هذه جامعة الأردن الأولى وفيها كفايات علمية هائلة متحمسة وجميعها تهدف ان تبقى جامعاتهم في طليعة التفرد والتعليم العالي في الاردن، وان تصل احسن المستويات، وتتجاوز الصعوبات بشتى الوسائل والطرق لكي تبدأ التغيير المطلوب، اقول يجب ان تتواصل المبادرات والخطط والأفكار البناءة المتنوعة لرفد الجامعة بما يعيد لها حضورها وألقها، والمبادرات الاكاديمية يمكن ان تقوم بها معظم الكليات، ومن يعتقد ان التغيير قد لا يناسب تخصصات بعينها! نقول له: كل التخصصات قادرة على احداث التغيير العلمي سواء أفي المناهج أم في الوسائل أم في التقييم أم في الانتقال إلى وسائل أخرى جديدة، تأخذ في الحسبان ان التعلم والتعليم لا ينتظران؛ لان الأوروبيين بدأوا هذه الخطة منذ مؤتمر لشبونة قبل عقدين تقريبا، وكانت قرارات وزارات التعليم العالي الأوروبية حاسمة في هذا الاتجاه، ونحن نملك القدرة والكفاءة والرؤية والطالب الجاد للانطلاق الى الامام، ولعل هذه المبادرات تحدث التغيير الذي يجب ان يسرق فراغ الطلبة للعمل والبحث عن المعلومة في كل مكان حتى نتجاوز ظواهر العنف السلبية التي تشغل وقت الجامعات بين حين وآخر. نعم التعليم والتعلم لا مجال للتأخير في تحديثه وتطويره والتقاعس فيه، وهنا يقع على عاتق الاستاذ الجامعي ان يبدأ بنفسه؛ لأن غياب الأفكار الجادة والثقافة الحقة من فكره مصيبة لا تعادلها مصيبة، ولذلك كيف نطالب الطالب الجامعي بالأدب والفكر والحوار، ونحن لا نحسن الإصغاء اليه، والنجاح إصغاء واحترام، ولكي لا نبقى نلقي باللوم على الطلبة ونتهمهم بأنهم حواسيب بلا فكر ولا روح. وبعد، كفى انتظار ويجب الانطلاق بهمة ورغبة لكي نحقق ما جاء في الورقة النقاشية السابعة التي ركز فيها جلالة الملك على نوعية علمية جديدة، والجامعة الاردنية لن تخيب أحدا في هذا المجال، بهمة أساتذتها وطلبتها، وتحية صادقة لجميع أساتذتها وطلبتها والعاملين فيها كافة.