سلامة الردعاوي
لم تظهر لغاية الآن النتائج النهائيّة للميزانيات النصف سنويّة للشركات بسبب تأخر غالبية أعمال التدقيق للبيانات الماليّة، نتيجة التأخر الناتج أساساً عن انعقاد الهيئات العامة للشركات بسبب تداعيات جائحة كورونا التي فرضت إشكالات جديدة للاجتماعات العموميّة.
لكن بات واضحاً من الافصاحات الأوليّة لعدد من كبريات الشركات التي أعلنت عن نتائجها النصفية ان هناك تراجعات كبيرة في أرباح عدد لا بأس فيها، في حين دخل عدد آخر من تلك الشركات في نفق الخسائر لأول مرة منذ سنوات طويلة، وهذا الأمر شمل الجميع بلا استثناء، فتداعيات كورونا القت بظلال قاتمة على الشركات وأدائها الماليّ.
لكن علينا أن نفرق بين تراجع أرباح الشركات أو تحقيقها خسائر نتيجة تراجع أعمالها وأنشطتها التشغيليّة أو نتيجة لتطبيق معايير محاسبيّة صارمة، أدت لتحقيق نتائج مالية عكس ما كان متوقعاً.
شركة مصفاة البترول الاردنيّة التي تعتبر من كبريات الشركات العاملة في المملكة والتي تحقق أرباحا منذ سنوات دون انقطاع ولها اثر ونشاط اقتصاديّ استراتيجيّ كبير على الاقتصاد الوطنيّ، اظهر إفصاحها الأخير أنها مقبلة على خسائر ماليّة في النصف الأول من هذا العام لأول مرّة منذ سنوات طويلة.
خسائر المصفاة هذه المرّة ليست ناتجة عن أعمال الشركة وأنشطتها التشغيليّة، وإنّما هي نتيجة تطبيق معايير محاسبية قائمة على اخذ فروقات التقييم بين رصيد مخزونها في نهاية عام 2019 مع رصيدها في نهاية حزيران (يونيو) الماضي، والذي اظهر تراجعاً في عمليات التخمين بالقيمة بلغ بين المخزونين بقيمة تناهز الـ122مليون دينار، وهذا امر طبيعي اذا ما علمنا ان تقديرات أسعار النفط نهاية العام الماضي بلغت ما يقارب الـ68 دولارا للبرميل، لتنخفض بعد ذلك وخلال فترة النصف الأول الى ما دون الـ25 دولارا للبرميل، مما استوجب على إدارة الشركة اخذ المخصصات اللازمة لهذا الانخفاض الكبير نتيجة فروقات تقييم البضاعة المخزنة بين نهاية العام الماضي والنصف الأول من هذا العام، ولم يكن الأمر نتيجة خسائر تشغيليّة، وهذا امر ضروري للمساهم ان يعلمه جيدا، فمع عودة الأمور إلى طبيعتها وتجاوز الحظر الذي فرضته كورونا، واستعادة الاقتصاد الوطنيّ لنشاطه وعودة أسعار النفط إلى الاستقرار سيكون هناك حتماً فرصة كبيرة لاستعادة الشركة لطريق الأرباح الطبيعيّة والعودة للتألق بكل سهولة.
الأمر لا يختلف عن البنوك التي تراجعت أرباح أكبرها وهو البنك العربي بنسبة 66 بالمائة، وسجل بعضها خسائر لأول مرّة في النصف الأول من هذا العام، وهذا ناتج أساسا عن تطبيق المعيار المحاسبي رقم 9، والذي يلزم الشركات الماليّة بأخذ مخصصات كاملة لكل أشكال الديون لديها، وهذا الأمر لا يعني أن البنوك حققت خسائر فعليّة بقدر ما هي خسائر دفتريّة، لأن جزءا كبيرا من هذه الديون ستحصلها المصارف بالشكل المعتاد والطبيعي، وبالتالي سترجع مخصصات تلك الديون إلى بند الأرباح.
هذا المعيار المحاسبي لم يبق الدولة على إيراداتها الضريبيّة من ضريبة الدخل، فهي بالأساس لا تعترف به لغايات ضريبة الدخل التي سيتم تحصيلها من البنوك كما هو في السنوات السابقة، لذلك فان الحكومة لا تتوقع أبداً تراجعا في تحصيل إيراداتها الضريبيّة من البنوك وغيرها من الشركات الماليّة هذا العام نتيجة تراجع أرباحها كما ظهر في ميزانياتها نصف السنويّة.
قلنا سابقا ان تداعيات كورونا لن تقتصر على قطاع معين ولا ضمن فترة محددة، تداعياتها ستكون طويلة الأمد، والأمر يدعو كل الشركات الى تحصين ماليّ يساعدها على مواجهة التقلبات والمستجدات الطارئة، والجميع مُطالب بإجراءات طوارئ لمواجهة هذا الكابوس في المستقبل.