الدكتور محمد حسين المومني
أقر مجلس النواب قانون العفو العام الذي بدأ الحدیث عنھ منذ أشھر بعد وعد أطلق بشأنھ ومطالبات نیابیة. القانون الآن بعھدة مجلس الأعیان الذي بلا شك یراقب جمیع النقاشات الدائرة حول ھذا القانون الجدلي، وھو مجلس لا یفترض أن یخضع لنفس حجم الضغوط المطالبة بالقانون كتلك التي یخضع لھا أعضاء مجلس النواب المنتخبین والمحتاجین لأصوات الناخبین.
ملفت ازدیاد وتیرة النقد بشدة بشأن القانون عندما اقترب من مراحل إقراره النھائیة، وھذا یدل على أن كثیرین كانوا یثقون بصدق وصلابة التوجھ لإحقاق دولة القانون، وأن سلطات الدولة لن تمرره إلا ضمن مبدأ الحفاظ على سیادة القانون وعدم إضاعة حقوق الناس وعدم تصعیب تحصیلھا، والتركیز على إحقاق مبدأ التصالح المجتمعي، ولیس غیر ذلك.
الصیغة التي انتھى الیھا القانون الآن ترسخ في كثیر من جوانبھا مكافأة من لم یلتزم بالقانون، وتعاقب المواطن الصالح الذي التزم بھا، وكأن الرسالة التي نقولھا للمجتمع وأفراده إنه یمكنھم – بل الأفضل لھم – ألا یلتزموا بالقانون وأن یتطاولوا علیھ. الزمیل فھد الخیطان أبدع في توصیف ھذه الحالة من خلال الترحم على روح سیادة القانون الطاھرة.
التكلفة المالیة بُعد آخر مقلق في ھذا القانون، ویجب السؤال والتوثق من أین سیأتي الإنفاق علیھا.. القانون بحسب التقدیرات المتحفظة سیكلف مئات الملایین، ویحدث ھذا في الوقت الذي تعاني فیھ الموازنة عجزا یھدف برنامج الإصلاح المالي إلى السیطرة علیھ من خلال تعدیلات ضریبیة مختلفة، ومن خلال الحد من الإعفاءات المنتشرة. كیف یمكن السیر باتجاھین متعاكسین، ومن سیتحمل التكلفة المالیة لذلك؟
القانون سیرضي ویفرح آلاف الأردنیین بلا شك، وقد یفتح المجال لكثیرین لبدء صفحة جدیدة وتصویب الأخطاء والسلوك، وقد یعطي فرصة لمزید من الالتزام من قبل من فاتھ الانصیاع للقانون في السابق، لكن ھذا القانون بالضرورة سیغضب أعدادا مضاعفة من المواطنین، وھي الجزء الذي التزم بالقانون من المجتمع وآمن بسیادتھا وانصاع لدولتھا وقوانینھا. ھذه الفئة ستشعر – محقة – إنھا تم معاقبتھا على مواطنتھا الصالحة، وكان ربما الأفضل لھا ألا تلتزم ولا تنفذ واجباتھا بل تنتظر عفوا یأتي كل بضع سنین.
توجھات الاقتصاد الوطني الاستراتیجیة تتمثل في إصلاح المالیة العامة للدولة، والسیطرة على العجز في الموازنة، وخفض نسبة الدین للناتج المحلي الإجمالي. بقناعة إن ھذه الإجراءات والتوجھات ھي الطریق الذي سیحقق الاستقرار المالي الذي یعد شرطا وبیئة ضروریة للنمو، فكیف یستقیم كل ذلك مع إعفاءات ستكلف مئات الملایین!
نعكف كدولة، أیضا، على مغادرة نموذج الدولة الریعیة لأننا لسنا دولة نفطیة، ونحاول ترسیخ نھج دولة الإنتاج والاعتماد على الذات، وھذا لا یتم إلا بإحقاق متطلبات دولة القانون وسیادتھا ، وباتخاذ القرارات الاقتصادیة التي تتناسب وأوضاعنا لا أن نتصرف وكأننا في بحبوحة وربیع!