د.نبيل الشريف
من الواضح أن معركة الدفاع عن عروبة القدس ورفض قرار الرئيس الأميركي ترمب بالاعتراف بها عاصمة لإسرائيل لن تكون قصيرة ولن تحسم سريعا، والأرجح أنها ستكون ممتدة في الزمان وتأخذ وقتا طويلا قبل حسمها.
إن أحدا لايعرف الطريقة التي ستحسم بها هذه القضية في نهاية المطاف، فلو كانت لدى ترمب وفريقه النية للتراجع السريع عن ذلك القرار الأخرق لما تم إتخاذه في المقام الأول. ولكن أميركا هي أيضا التي علمت العالم البراغماتية، ورغم أن مقولة « السياسة هي فن الممكن» تعود للسياسي الألماني بسمارك، إلا أن المرء يشعر أن هذه المقولة تلخص السياسة الخارجية الأميركية أفضل تلخيص. ومعنى هذا أن كل الخيارات واردة وكل الإحتمالات ممكنة، ولكن الثابت أيضا هو أن المخاض سيكون عسيرا وطويلا في جميع الأحوال.
إن المقصود بذلك هو أننا يجب أن نعد العدة لمعركة تحتاج نفسا طويلا، ولايخفى على أحد أن أخطر مايمكن أن يحدث هو خفوت الأصوات المنددة بالقرار الأميركي شيئا فشيئا وصولا إلى إختفائها كليا. ولاشك أن هذا هو تماما ماتعول عليه إدارة ترمب ومعسكر نتنياهو، فهم يقولون أن المظاهرات والمسيرات المعارضة ستخبو بعد فترة قصيرة، وسيمضي الناس لمتابعة أعمالهم تاركين وراءهم قرار ترمب وتبعاته وآثاره الخطيرة على القدس وقضية فلسطين.
إن معركة النفس الطويل من أجل القدس ممكنة وبإستطاعتنا في الأردن وفي فلسطين أن نخوضها لإستعادة الحقوق العربية ولإرسال رسالة للإدارة الأميركية بل للعالم كله أن أحدا لايستطيع أن يتجاوز دورنا أو يقفز فوق مصالحنا كائنا من كان.
إن أولى خطوات معركة النفس الطويل من أجل القدس هو تعزيز التنسيق الأردني – الفلسطيني إلى أعلى درجة ممكنة، ولايكفي أن يكون التنسيق على مستوى القيادة في البلدين الشقيقين، ولكن يجب أن يكون هناك تنسيقا على كل مستويات الإدارة بحيث يتم تبادل الرؤى والمعلومات والقراءات بشكل يومي إذا أمكن. ولابأس من تشكيل لجنة مؤقتة بين البلدين تجتمع بإستمرار حتى تزول هذه الغمة.
أما الخطوة الأخرى المطلوبة على الصعيد الشعبي في الأردن فتتمثل في ضرورة رسم خطة إستراتيجية شعبية تعمل على إدامة رد الفعل الرافض لقرار ترمب والمستنكر له لمدة 3 أشهر على الأقل، فمن الطبيعي أن يشعر الناس بعد مضي بضعة أيام أو أسابيع بالملل أو بعدم جدوى إستمرار الرفض و الإستنكار، ولكن بقاء الرفض السلمي الحضاري الذي عودنا عليه شعبنا لأطول فترة ممكنة هو السبيل الوحيد للوصول إلى مرحلة إمكانية قطف ثمار هذا الجهد المبارك، وذلك أفضل دعم يمكن أن نقدمه للموقف الرسمي الذي يتحرك على كل الصعد أيضا نصرة لعروبة القدس.
والسؤال هو كيف يمكن إدامة هذا الرفض الشعبي لأطول فترة ممكنة؟ إن التخطيط والتنسيق ووحدة الرؤية هي متطلبات أساسية لنجاح هذا الجهد الوطني. وأرى أنه من الضروري تشكيل لجنة تنسيقية من المؤسسات المدنية كالأحزاب والنقابات والإتحادات ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية ومؤسسات الإعلام والجامعات لوضع برنامج عملي لإطالة أمد رد الفعل الشعبي المناهض لقرار ترمب إلى أطول مدى ممكن. ويمكن لهذه اللجنة التنسيقية أن تضع برنامجا زمنيا لفعاليات رفض القرار تشمل – بشكل تبادلي- كل محافظات المملكة وجميع المؤسسات المدنية، فيمكن أن تكون فعاليات أسبوع ما في مدينة الكرك وبمشاركة عدد معين من المؤسسات المدنية، وتكون في الأسبوع الذي يليه في الزرقاء وبمشاركة عدد آخر من المؤسسات.
بهذا فقط يمكن أن نديم رد الفعل الرافض لقرار البيت الأبيض لعدة شهور قادمة. وبهذه الطريقة يمكن أن نفوت الفرصة على إمكانية حدوث ملل أو إجهاد لدى المواطنين وإرسال رسالة واضحة لالبس فيها إلى ترمب ونتنياهو وغيرهما أن القدس خط أحمر وأن موقفنا دفاعا عنها ثابت لايتزحزح، وأن الأيام لاتزيدنا إلا تمسكا بحقوقنا الخالدة في القدس وفي فلسطين، وأن أي محاولة للقفز فوق حقوق الشعب الفلسطيني أو تجاوز الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس محكومة بالفشل، فالشعب لايكل ولايمل عندما يتعلق الأمر بحقوقه التاريخية.
حتى المدارس والجامعات فإن تعبيرها عن التمسك بالحقوق العربية في القدس ورفض قرار ترمب يجب أن يتم وفق خطة زمنية واضحة توزع فيها المهام والمسؤوليات بشكل ينتقل فيه شرف تنفيذ الفعاليات الرافضة للقرار الأمريكي من جهة إلى أخرى بشكل واضح سلس يشارك فيه الجميع لأطول فترة زمنية ممكنة.
نحن أمام معركة طويلة النفس، ولأن الفشل فيها ممنوع، فلم يبق أمامنا إلا العمل وفق خطط واضحة مدروسة.. فهل نحن فاعلون؟.
الرأي