د. عبدالله القضاة
تخطيط الموارد البشرية كمدخل للإصلاح الإداري
يشكل الإصلاح الإداري يشكل رافعة مهمة لحداثة الدولة وفاعليتها، ويوفر البيئة الملائمة للتنمية الشاملة والواعدة في الدولة بكافة مجالاتها، وسأتناول عبر سلسلة من المقالات المتخصصة برنامجا مقترحا لتطوير الإدارة العامة في الدولة من جوانبها التشريعية والتنظيمية والبشرية المختلفة من خلال تحليل الفجوات الحالية وتقديم مقترحات التحسين اللازمة، وسأتحدث في هذا المقال عن واقع تخطيط إدارة الموارد البشرية في نظام الخدمة المدنية.
التخطيط للموارد البشرية يشير إلى العمليات التي تضمن الدائرة من خلالها الحصول على العدد والنوعية المناسبة من الأفراد وفي الأماكن المناسبة والأوقات المناسبة، ويرتبط مباشرة بالإستراتيجية العامة للدائرة لتامين وتوفير الأفراد اللازمين لتنفيذ إستراتيجية المنظمة، وقد عرف نظام الخدمة المدنية ساري المفعول عملية تخطيط الموارد البشرية بأنها: عملية تقييم منهجي وعملي للموارد البشرية تهدف إلى تحديد الاحتياجات الحالية والمستقبلية المطلوبة من الموارد البشرية من حيث أعداد الوظائف ومسمياتها، ومستوى المهارات والقدرات المطلوبة ضمن فترة زمنية محددة وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد البشرية وتجنب التوظيف الزائد عن الحاجة وضبط الإنفاق، وتوقع الفائض والنقص في أعداد الموظفين بما يضمن تحقيق اهداف الدائرة وخططها الاستراتيجية.
والتساؤل المطروح: من هي الجهة الرسمية التي تلزم كل جهة حكومية بإعداد خطتها الإستراتيجية وفق أهداف ذكية SMART ومؤشرات قياس ؟؛ ومن هي الجهة التي تعتمد هذه الخطط وفق للمستويات المستهدفة سنويا ؟، وهل فعلا يتم تحديد الإحتياج البشري للجهات الحكومية وفقا لهذه الخطط؟ ثم؛ هل يتم موائمة الهياكل التنظيمية وفق الرؤية الإستراتيجية للجهات الحكومية؟، وأخيرا هل يلزم ديوان الخدمة المدنية الدوائر الرسمية بوصف وظيفي ومواصفات دقيقة لكافة الوظائف المعتمدة؟.
أورد نظام الخدمة المدنية الساري المفعول رقم (9) لسنة 2020 مهام لديوان الخدمة المدنية في مجال تخطيط الموارد البشرية، ومنها إعداد دراسات لتخطيط الموارد البشرية في الدائرة، و اعداد تعليمات تخطيط الموارد البشرية ورفع التنسيب بشأنها الى مجلس الخدمة المدنية لإقرارها، تقديم الدعم الفني لوحدات الموارد البشرية في مجال ادارة وتخطيط الموارد البشرية لتمكينها من القيام بالمهام المناطة بها، و المساهمة في إدارة الموارد البشرية في دوائر الخدمة المدنية ووضع الآليات التي من شأنها زيادة فعالية هذه الدوائر وكفاءتها من خلال عدة جوانب منها التعاون في اعداد مؤشرات كمية للاحتياجات من الموارد البشرية على مستوى القطاعات وفقا لمخرجات دراسات تحليل عبء العمل والتقييم الهيكلي للوظائف، واعتماد الاحتياجات من الوظائف قبل رفعها من قبل الدائرة الى اللجنة المشكلة بموجب أحكام النظام.
وبتحليل مواد النظام نجد بما لايدع للشك ضعف سلطة ديوان الخدمة المدنية على الدوائر الحكومية في مجال تطبيق وظيفة تخطيط الموارد البشرية، فنتائج دراسات التخطيط لايملك الديوان سلطة إلزام الدوائر بها، والأهم من ذلك لايملك الديوان سلطة إعتماد الخطط الإستراتيجية لإجهزة الخدمة المدنية والتي على ضوئها يتم تحديد الإحتياجات المستقبلية من الموارد البشرية “كما ونوعا وتوقيتا” ، ولايملك الديوان سلطة إعتماد الهياكل التنظيمية للدوائر الحكومية التي يفترض أن تتوائم مع إستراتيجيتها، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ لو إستطاعت مؤسسة حكومية أن تمرر تعديلا لهيكلها التنظيمي يتكون من (6) مساعدين للمدير العام وحاجتها الفعلية مساعدين إثنين فقط ، فهل يملك الديوان غير الموافقة على تعبئة هذه الشواغر، والأصل أن يكون له سلطة بفرض الحاجة الفعلية من الشواغر لهذه المؤسسات وفق لمعايير علمية معتمدة مسبقا.
من جهة اخرى؛ ما هي الإجراءات التي يمكن عملها من قبل الديوان في حال عدم التزام الدوائر بتعليمات تخطيط الموارد البشرية التي يصدرها مجلس الخدمة المدنية، وما هي السلطة الفنية التي يمكن أن يمارسها الديوان على وحدات الموارد البشرية في الدوائر عند نقل موظفين غير مختصين بهذا المجال ؟.
أورد النظام في الماده (12) منه مهام للدوائر يجب القيام بها لغايات المساهمة في عملية تخطيط الموارد البشرية ومنها: إعداد مشروع نظام خاص بتنظيمها الإداري وهيكلها التنظيمي ومهامها الرئيسية والفرعية واصداره حسب الاصول، والتساؤل : أين سلطة الديوان في إعتماد مشروع نظام التنظيم الإداري والهيكل التنظيمي والمهام المنبثقة عنه؟ ومن المهام أيضا: إعداد خطة للموارد البشرية منبثقة عن الخطة الإستراتيجية للدائرة و تحديد الوظائف الجديدة التي تتطلبها خطط العمل وتوسيعها وتطويرها و تحديد الاحتياجات في جدول التشكيلات للوظائف والفئات والدرجات الوظيفية، وهنا أيضا يترك للدائرة سلطة تقديرية واسعة في تحديد إحتياجاتها البشرية لعدم وجود سلطة لجهة مرجعية في إعتماد الإستراتيجية، ويترك الأمر للتفاوض الذي تصل به الدائرة الى لقاء في منتصف الطريق، فمثلا يتم طلب (30) شاغرا من الديوان فيلجأ الديوان بالتعاون مع دائرة الموازنة للتقدير بناء على خبرات سابقة وعادة يتم تخفيض الحاجة إلى النصف، ولكن من الذي يضمن أن لا تكون هناك حاجة أصلا للموارد البشرية وربما هناك فائضا يتم إخفاؤه من خلال طلب المزيد، وهذه واحدة من أسباب الترهل في دوائر الدولة المختلفة.
من جهة اخرى ، تشير المعلومات الصادرة عن مركز جائزة الملك عبدالله الثاني لتميز الاداء الحكومي والشفافية: ان نسبة التحسن بالأداء بلغت (1%) فقط في آخر دورة للجائزة عام 2016 مقارنة مع سابقتها ، وهذا يؤشر على ضعف التركيز على النتائج وادارة الاداء وبالتالي عدم فاعلية التخطيط للموارد البشرية.
كما بينت دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي 2018 النقص في الكفاءات البشرية المؤهلة لتطوير الخطط الاستراتيجية القابلة للتنفيذ والقياس واعدادها.
وتشير التقارير الإدارية إلى ضعف كفاءة وفاعلية الجهاز الحكومي ، والذي يعزي أحد أسباب ذلك إلى تدني كفاءة المورد البشري لضعف عملية التخطيط الإستراتيجي لهذا المورد الحيوي، فقد أظهرت مؤشرات محور الكفاءة الحكومية، كفاءة الحكومة الأردنية؛ وفقا لتقرير البنك الدولي بمعدل 69.57 % لعام 2017 وتراجعها إلى معدل 57.21 % لعام 2018 ، مما يدل على انخفاض معدل كفاءة القطاع الحكومي مقارنة مع الدول ضمن التقييم.
وبحسب تقرير التنافسية الصادر عن المنتدى الإقتصادي العاملي في الربع الأول من عام 2020 حلت المملكة في المرتبة 64 عالميا في مؤشر فعالية الحكومة. وتظهر دراسة أعدها معهدThe Legatum Institute لقياس أداء الحكومات وفق منهجية المعهد من خلال مؤشرIndex theProsperity أن الأردن يقع في المرتبة (95) عالميا في مؤشر فعالية الحكومة.
ومما سبق نستنتج الحاجة الى رفع كفاءة وفاعلية الجهاز الحكومي ضمن مشروع الإصلاح الإداري، ومن أهم الإستراتيجيات التي يمكن اللجوء اليها: التحول في دور ديوان الخدمة المدنية في ممارسة مهمة التخطيط للموارد البشرية إستراتيجيا وهذا يتطلب تشريعا قويا، وقد يكون مناسبا إستبدال نظام الخدمة المدنية بقانون للخدمة المدنية يمنح صلاحيات قوية للديوان في تنفيذ مهام تخطيط الموارد البشرية ومن ذلك إعتماد الخطة الاستراتيجية وخطة الموارد البشرية لكل دائرة وصلاحيات في إعتماد الهيكل التنظيمي ومهام الإدارات وأوصافها الوظيفية بشكل دقيق مع حق الديوان أيضا بتحديد حاجة الدائرة من عدمه للموارد البشرية كما ونوعا للفترة الزمنية التي تغطيها الخطة.
كما يتطلب الأمر أيضا منح الديوان صلاحيات فنية تلزم الدوائر بإستحداث وحدات الموارد البشرية لديها ضمن المتطلبات التنظيمية والبشرية التي يعتمدها لهذه الغاية ، وبالمقابل ؛يتطلب هذا التحول في دورالديوان إلى تعزيزه بخبرات وكوادر نوعية متخصصة في مجال التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية ، والزام كافة الدوائر برفد وحدات التطوير والموارد البشرية لديها بكوادر متخصصة بهذا الموضوع والعمل على رفع قدرات المتوفر منها ضمن مسار تدريبي نوعي ينفذه معهد الادارة العامة وبالسرعة الممكنة.
أما بخصوص التخطيط للوظائف الحرجة أو النادرة التي تتطلب كفاءات متخصصة والتي يتم إستقطابها من خلال العقود الشاملة في مؤسسات القطاع العام ، أقترح تشكيل لجنة من مختصين من ديوان الخدمة المدنية ومعهد الادارة العامة وديوان المحاسبة وأي جهة معنية لدراسة مدى الحاجة لهذه الوظائف وإستمراريتها ووضع معاييرموضوعية لتسعير هذه الوظائف ليصار الى إعادة النظر بإستمراريتها ومقدار الراتب الملائم لكل منها وفق لسياسية وطنية تعتمد لهذه الغاية.