محمد داودية
كتب:محمد داودية
كان والدي يرحمه الله رئيسا للدائرة الزراعية في شركة نفط العراق (آي.بي.سي) في الاجفور- الرويشد الان- حيث ولدت. وكانت أسرتي كما تخبر والدتي يرحمها الله تترغّد في خيرات عميمة إلى أن توفي والدي وأنا في سن السادسة فخرجنا من ذلك النعيم إلى الشقاء والضنك والفاقة والجحيم.
عوّضني الله عز وجل عن فقدان الوالد برعايته الربانية التي كنت المسها في كل مسيرتي وأيضا عوضني بوالد لا يدانى في حنانه وعطفه وكرمه هو عمي جعفر ابن عم والدي، الذي رعانا أنا وشقيقتي الحبيبة الطيبة خديجة وأسبغ علينا ما لا يمكن أن يُزاد عليه.
كما يسّر الله لي أخوالي المعانية كرام الناس، الذين غمروني بحنانهم ورعايتهم، فكنت عندهم أميرا صغيرا لا ينهرني احد. وكنت صديق جدي مزعل مشري آل خطاب الذي كان يصطحبني معه إلى معظم المناسبات التي يحضرها.
تنقلت أسرتي بين بلدات الأردن: الاجفور والمفرق والطفيلة ومعان والزرقاء وعمان، أحببت كل تلك المدن التي تختلف كلٌ منها عن الأخرى.
لم تكن يفاعتي كلها جفاف ويباس وقسوة, فقد كنت أأوب إلى ثلاث واحات استظل بها من صهد العيش: المسجد والكتاب والحب.
وانا في الرابعة عشرة كنت اصحو مبكرا اوقظ أصدقائي ابناء حارة المعانية في المفرق فنذهب معا الى المسجد. كنا نوقظ الخادم ونأخذ منه مفتاح المسجد فننيره. ثم نتوجه الى منزل الامام فنوقظه وننتظره امام منزله ونحفه الى المسجد في موكب يومي خاشع مهيب. وبعد صلاة الفجر كنا نعكف على قراءة القرآن الى ان يحين وقت المدرسة.
في الكتاب كنت أجد عالما موازيا افتراضيا جميلا أتلبّسه واتقمصه واهرب إليه.
أما العالم الحقيقي الأكثر جمالا ورطوبة وفرحا وأُنسا، فكان عالم الحب الذي اقتضى أن اكتب رسائل حب إلى صاحبتي كانت تخلب لبها وألباب صويحباتها وتمدني بطاقة ثقة هائلة.
خضت غمار العمل وجحيمه وأنا ما أزال في الثانية عشرة من العمر في المفرق. عملت أثناء العطل الصيفية في الكسارات وفي ورش فتح الطرق وفي بيع الصحف وفي المطاعم وفي دك الطوب وفي صب الباطون لأسطح المنازل. كانت المرحومة والدتي توقظني على الساعة الرابعة فجرا للذهاب إلى الورشة التي تبعد نحو 7 كيلومترات نقطعها على الأقدام اللينة، كنت أتمنى لشدة التعب ولذة النوم لو أنني ميت!! لكنني سرعان ما انهض وامضي إلى العمل الذي كنت أوفر منه مبلغا لشراء بذلة كاكي وحذاء رياضة للمدرسة ولشراء الروايات.
درست الابتدائية والإعدادية في المدرسة الهاشمية التابعة للثقافة العسكرية في المفرق وكنت لاعب كرة قدم في فريق المدرسة -ظهير ايسر- وحصلنا على الكأس والميداليات الذهبية لبطولة مدارس الثقافة العسكرية عام 1962 بهدف جميل سجّله اللاعب –صديقي إلى اليوم- علي سلامة محمد أبو فلاحة المشاقبة.
وكما في محطات أخرى، فقد واصلت الكفاح بضراوة في الميدان الصحفي. عام 1977 بدأت في صحيفة الأخبار التي كان صاحبها فؤاد النمري ومديرها العام الشاعر المرحوم عبد الرحيم عمر الذي قال لي أنت تتمتع بضمير مهني لم اعرفه في احد غيرك، ورئيس تحريرها راكان المجالي.
كنت اعمل 18 ساعة في اليوم إلى أن أتقنت كل مراحل إنتاج الصحيفة، ازدادت قدرتي على الدقة والتنظيم والإتقان، فاصبحت أعرف كيف أعرف. وأصبحت سريعا منظما ودقيقا جدا أتقن التعلم وأتقن العمل بلا تلكؤ أو تردد.
كنت اكتب مقالة يومية بعنوان «عرض حال» لم تكن للبيع أو للإيجار ولذلك تم وقفي عن الكتابة أيام معالي عدنان أبو عودة وزير الإعلام ولما كتبت باسم مستعار تم فصلي من العمل ولم يكن في جيبي ثمن علبة حليب لابنتي عدن ولا أجرة المنزل!!
كانت الصحافة في الحقبة العرفية المقيتة، عناء وكفاحا ومشقة، أقسى من شغل الكسارات ومن صبّات الباطون ومن دك طوب الاسمنت. لكنها فتحت لي أوتوسترادا الى الرأي العام فأصبحت وجها وقلما معروفين خاصة لما أصبحت «مدير الإعلام والعلاقات العامة للديوان الملكي» فقد أتاح لي العمل في ظلال القائد العظيم الملك الحسين طيب الله ثراه فرصة خرافية للتعلم.
لما تم اختياري وزيرا للشباب عام 1996 لم أكن اعرف عن معضلات الرياضة الأردنية شيئا! فقررت ان اعرف.
اتصلت بالخبير الرياضي المرحوم نظمي السعيد وطلبت منه أن نلتقي فزارني في الوزارة وكنت قد جهزت عشرات الأسئلة ومعي قلم وأوراق لأدون فيها ما يقوله وكأنني صحافي يجري مقابلة صحافية.
كان نظمي يقول لي بأدبه الجم في مطلع كل إجابة: كما تعرف معاليك، كما تعرف معاليك. فقلت له: يا حبيبي يا نظمي انا لا اعرف. ولو كنت اعرف لما وضعت أمامي أوراقا وقلما. قل ما تعرف ودعك من الألقاب فانا «مش تبع ألقاب». وهكذا اتصلت مع الخبراء واستنطقتهم:
محمد خير مامسر، سعيد شقم، عصمت الكردي، ذوقان عبيدات، محمد جميل عبد القادر، ساري حمدان، عبدالرحمن العرموطي وفادي الزريقات وغيرهم من خبرات البلد الرياضية.
ثم إنني حرثت الميدان وتعرفت على مشكلات الرياضة في المحافظات وكسرت «برستيج» الوزير حين خرجت من المنصة واقتحمت المدرجات وجلست فيها أشجع مع مازن البني وسلطان الكباريتي وحاتم العكايلة وشوكت السعود، فرق كرة القدم الرياضية الوطنية. كما أقمت علاقات واسعة مع قطاع رجال الأعمال الأردني الذي تبرع بسخاء للأندية الرياضية وعلاقات محترمة مع قادة الرياضة العرب فتبرع سمو الأمير فيصل بن فهد رحمه الله ب 50000 دولار للجنة الأولمبية الأردنية خصصتها للانفاق على بطولة العالم لكمال الاجسام التي افتتحتها مندوبا عن الملك الحسين وشاركت فيها نحو 74 دولة.