جهاد المومني
دول كثيرة ديمقراطية وناشئة استثنت القضاة من التصويت في الانتخابات، اي انتخابات، وهناك منطق وحكمة من وراء هذا الاستثناء الذي يبدو للوهلة الاولى مجحفاً بحق نخبة اردنية مميزة ،لكن بما أن القضاء هو الحكم الفصل في جميع القضايا الانتخابية اذن لا غرابة في الا يكون القاضي شريكاً للمواطن العادي في التصويت لمرشح بعينه لأي سبب من الاسباب حتى عندما لا يتعلق الامر بصلة القربى او المنطقة الواحدة او حتى قناعة القاضي الشخصية بكفاءة هذا المرشح دون غيره من المرشحين .
في جميع مراحل العمليات الانتخابية يكون القضاء حكماً بين الادارة الانتخابية من جهة والناخبين والمرشحين من جهة أخرى ، وبعد الانتخابات واعلان النتائج فان القضاء هو صاحب القرار في الطعون الانتخابية التي تقدم لاتخاذ القرار العادل فيها بما يشمل ابطال عضوية النائب لسبب او اكثر من الاسباب التي اوردها الدستور واكد عليها القانون .
في الاردن القضاة مثلهم مثل بقية المواطنين ينتمون الى مناطق وعشائر وتجمعات يدينون بالولاء لها مهما بلغت النزاهة في ضمير وعقل اي منهم ، غير ان الانتماء الى العشيرة او المنطقة لا يفترض أن يتناقض ابداً مع مبادئ النزاهة والحياد ،وفي كل الاحوال فان القضاة من المجتمع ولا يمكن فصلهم عن عشائرهم ومجتمعاتهم الصغيرة ومناطقهم ،لكن الانتخابات امر مختلف وقد يصبح الصواب خطأً عندما يحتدم السباق بين المتنافسين ،وبحكم التجربة الاردنية الانتخابية ،فاننا لا نملك امكانية ترك ثغرة يستغلها البعض للطعن في نزاهة الانتخابات خاصة في مرحلة التقاضي عندما يكون لقرار القضاء الكلمة الفصل في خصومة قد تقرر مصير شخص وعشيرته ومنطقته في ان تمثل او لا تمثل في مجلس النواب .
ان عدد القضاة في الاردن ليس بكبير ويتوزعون على مختلف الدوائر الانتخابية بنسب لا تتفاوت كثيراً ،وبالتالي فان استثناء هذه النخبة المحترمة من التصويت لن يؤثر بأي حال من الاحوال على نتيجة اي انتخابات تجرى ،لكنه قرار قد يكون له الأثر الايجابي في قناعات الناس ومواقفهم من الانتخابات بشكل عام بالنظر الى تجارب سبقت وجود الهيئة المستقلة للانتخاب ولا زالت راسخة في ذاكرة الاردنيين وعقولهم ومن الصعب تغييرها بدون تعديلات تشريعية واجرائية تعزز الثقة بالعملية الانتخابية بشكل عام ،ومن المهم جداُ ونحن نعمل على صياغة قانون انتخاب جديد ان نأخذ بعين الاعتبار كل ما من شأنه تخليص الانتخابات من مصادر الشك سواء تعلق الامر بالتشريعات او بالاجراءات ،والاساس ان يكون التشريع هو الضابط والناظم والضامن لعدم ترك ثغرة ينفذ منها المشككون للطعن في نزاهة الانتخابات من جهة ،وبنزاهة القضاء الاردني الذي ينظر قضايا الانتخابات في مختلف مراحلها ونحتكم اليه جميعاً من جهة اخرى .
ان استثناء القضاة من التصويت لا يحرمهم من حق لهم ،بل يؤكد أهم حقوقهم وهو الاستقلال الكامل والنأي بالنفس عن ميادين الجدل والمنافسة ،وبذلك فأنهم لا يتنازلون عن حق لهم وانما يتم تعليق هذا الحق كما هي الحال بالنسبة للمنتسبين للقوات المسلحة والاجهزة الامنية ،فالحق بالانتخاب واختيار ممثليهم ثابت لهم لكنه حق معلق الى اشعار آخر .