سميح المعايطة
لم يكن الأردن يوما معنيا ولا مغرما بالمناكفات السياسية في محيط عربي كانت هذه اللغه مستعملة بكثرة من دول وزعامات على مدى عقود .
لكن الأردن الذي كان مجبرا على خوض صراعات وحروب الحالة العربية السياسية والإعلامية كان يحاول ان يحافظ على معادلات علاقاته مع العرب والعالم ،وهي معادلات لم تتغير في جوهرها رغم كل ما جرى ،فعلاقات الاردن مع مصر في زمن الملك فاروق وعبد الناصر والسادات ومبارك والسيسي كانت علاقات مهمه للأردن حتى في المراحل التي كانت فيها الدولة الأردنية مستهدفة من بعض من حكموا مصر قديما ،لأن الاردن يؤمن بمصر الدولة الكبرى ،ولهذا حتى في أوج الاستهداف للأردن عام 1967 لم يتردد الحسين رحمه الله في الذهاب إلى القاهرة قبيل حرب 67 ليفتح صفحة جديدة في العلاقات .
أما الخليج فهو ملف استراتيجي بالنسبة للأردن ليس بسبب العلاقات الاقتصادية فقط بل الأهم ان الشكل السياسي لدول الخليج وبنية أنظمته السياسية هي الأقرب للأردن رغم بعض تباينات التاريخ ، وكانت سياسة الاردن ان يقوم بكل ما يمكنه للمحافظة على استقرار وأمن الخليج ،والأمثلة كثيرة ويعلمها الأشقاء في الخليج ،فالاردن والخليج يمثلان تركيبة سياسية واحدة ولونا مختلفا عن مسارات أخرى ذهبت إليها دول عربية عديدة .
والخلافات داخل دول الخليج ليست جديدة فهناك ملفات حدود وتباينات التاريخ وأمور أخرى وكلها أمور طبيعية في علاقات الدول لكن الأردن كان صديقا للجميع ،وكان حريصا على استقرار خارطة المنطقة التي من عناصرها ثبات شكل الانظمة السياسية في الخليج والأردن .
وبحكم الفترة الطويلة من حكم الحسين رحمه الله رسخ معادلة علاقة مع الخليج لم ينقطع فيها خيط العلاقة حتى في أصعب اللحظات ،وكان الأردن حتى وهو في أصعب الظروف الاقتصادية يتعامل بنفس عزيزة ،فالمساعدات كانت جزءا من معادلة استقرار الجميع ،وكان استقرار الاردن وهو صاحب الحدود الأطول مع فلسطين المحتلة لدول الخليج ،وكانت لهذه العلاقات أبعادها الأخوية والاجتماعية التي اختبات خلفها الأبعاد السياسية أحيانا .
مراحل صعبة وعديدة مرت بها علاقتنا مع الأشقاء في الخليج جميعا او فرادى ،ولم تتغير معادلة الاردن لكن بعد نظر الحسين ومن بعده الملك عبدالله جعلت بعض مواقف الاردن لاتروق لبعض الاشقاء ،لكن الاردن بقي الاردن ،حتى كانت الأزمة الأخيرة بين الأشقاء في الخليج فكان على الأردن ان يتخذ موقفا يشعر معه الأشقاء في السعودية ان الأردن قريب منهم ،لكنه يقول للاشقاء في قطر انه حريص على علاقات معهم ،وفهم الطرفان المعادلة فكانت إجراءات الاردن لاتضعه في معركة بين أهل الخليج ،وفي نفس الوقت فيها مجاملة لطرف ،ورسالة لقطر فهموها بإيجابية .
وخلال سنوات هذه الأزمة تأكد للجميع ان آفاق الحل بعيدة ،وحتى دول الخليج تباينت مواقفها ،فالكويت وعمان على توافق مع قطر ، كما ان الأردن الذي يواجه تحديات كبرى على اكثر من صعيد ليس بينه وبين قطر اي معركة ولهذا ذهب إلى المسار الطبيعي وهو إعادة الاعتبار للعلاقات مع الدوحة التي تعاملت بايجابية عالية مع التوجه الأردني ،وأظهرت روحا جميلة تجاه الأردن ،وهي ذات الروح التي يحملها الاردن تجاه قطر وتجاه الكويت والسعودية والامارات والبحرين وعمان .
البعض لا يفهم تركيبة النظام السياسي الأردني في علاقاته العربية ،فنحن دولة مصلحتنا ان تكون علاقاتنا مع الجميع قوية ،فكلما ضعفت منظومة العلاقات العربية خسرنا ،وهذا المنطق يختلف عن منطق من يرى العلاقات بمنظور المناكفة ،والتعامل بإيجابية عالية مع زيارة أمير قطر للأردن هو ذاته الذي كان وسيكون مع اي زيارة لزعيم عربي تتعامل بلاده بإيجابية مع الأردن .
أمير قطر في عمان لأن الاردن يريد علاقات قوية مع كل الأشقاء ، ولأن الاردن مصلحته في هدوء الجبهات العربية في مواجهه التحديات الكبرى التي تواجهها ويفترض أنها تواجه الأمة ،وكما هو الترحيب الكبير بزيارة أمير قطر إلى عمان فإن كل زيارة تعزز القدرة على مواجهه المشكلات بأنواعها ستكون محل ترحيب .