د. نضال القطامين
في غمرة الساعات الثقيلة، بين يدي مشاهد الألم الذي اعتصر قلوب الأردنيين عصر الخميس الحزين، في كل اللحظات القاسية، بدا التعامل مع الكارثة مرتبكاً وقلقاً ومتوترا.
فيما عدا الجهود للأبطال من الجيش والدفاع المدني والدرك، وبطولات هذا الشعب ونخوته وفزعته، بدت الواقعة كما لو كانت مربكة ومقلقة ومبعثرة. وبين لحظات الأسى العارمة التي اجتاحت الأهل واعترت وجوه الناس، رفعت الجثامين على الأكتاف، روحاً جميلة تلو أخرى، بسمة غائبة تتلوها بسمة، ثم اكتمل مسلسل الإرتباك حين جاء خطأ تسليم الجثامين كما لو أنه تراجيديا مبكية.
تالياً، اجتاحت مواقع التواصل والمواقع الإخبارية معلومات هائلة لم يكن بمقدور القارىء الوثوق بها. كان غياباً كاملاً للتعاطي مع الأزمة لحظة وقوعها.
لقد فتحت هذه الشائعات الأبواب على مصراعيها، للتندر والتهكم والشتائم والحقد والكراهية. بينما كانت قناعة الناس بأن تصدع الجسر كان سببا في الكارثة، لم يسعف الوقت لتوضيح الحقيقة إلا في اليوم التالي للإشاعات. لقد كان وصف المشهد أنه وسماً لحالة الإرتباك السائدة.
في مجلس النواب بدا المشهد كما لو أنه حلبة تنافس. لم يكن المتحدث راغباً في الحديث ولم يكن المصغي راغبا في الإصغاء.
كان الأمر أشبه بمن يدفع التهمة عن نفسه. كان المشهد حزينا بحجم الحزن على الشهداء.
وسط هذا التداعي لهيبة الدولة، لغياب المعلومات وندرتها وكثرة الشائعات، يقفز التساؤل الحق، ماذا لو كانت الحكومات برلمانية حزبية، ماذا لو كان الوزير فيها ينتمي لحزب واضح العمق وناجع البرامج، ماذا لو كان الوزير محاطاً بغلاف من الرأي والمشورة والعمل المتسلسل، ماذا لو وجدنا من يمتلك القرار والمعلومة والشجاعة ليعترف بالتقصير وبالمسؤولية الأدبية، حينها لن نرى المسؤول وحيداً مكشوفا لكل الصليات وأنواع الهجمات، يحمّلونه ما يحتمل وفوقه ما لا يحتمل.
ماذا لو كان العمل مؤسسيا تشاركيا كاملا. ماذا سيكون اتجاه التحقيق ومسار العمليات والتصريحات والتسلسل المهني لسجل الحادث منذ اللحظة الأولى. مؤكد أن المشهد سيختلف. ليس هذا القلق والخوف والحيرة ونقص المعلومات وتوافدها بصورة شائكة، إلّا من شأن غياب العمل المؤسسي.
تضاعف عدد سكان المملكة، وتضاعفت مسؤوليات حكومتها المحلية والإقليمية والدولية، تقدّم المشهد الديمقراطي في العالم كلّه، ويرى الناس كل يوم نماذج مثالية لنجاح الحياة العامة وأساليب الحكومات في التعامل مع الاحداث.
ما كان يمكن تسويقه من سياسات في فترات القرن الماضي، لم يعد نافعا في ظل تعدد قنوات التواصل الاجتماعي السريعه وثورة المعلومات واتساع رقعتها. لم تعد طريقة تشكيل الحكومات خلال السهرات وتبعا لبرامج جرب حظّك لأي حكومه كانت، تنفع أمام التيار الهادر الذي يختزل إرادة جلالة الملك في حكومة حزبيه برلمانية منتخبة، يسألها الناس عمّا تفعل، فتحضر الإجابات المؤسسية الناضجة وتتحمل المسؤوليه بالكامل، غير آنية ولا مرتبكة.