د. سامي الرشيد
العمل تراكمي، والجهود تتواصل، حافرة في تضاريس الأفكار خصوصيتها وذاهبة في ممرات الزمان والمكان واصلة بين تعب الأجيال وواصلة درجات الوصول بمراتب التحقق.
المعنى بعد ذلك أن البناء انما يقوم على البناء، ولا قطيعة بين ماض ومضارع.
العمل تجديد دائم فيما القطيعة خمول وانتهاء.
لقد كان الانبياء يعملون حيث عمل آدم في الزراعة وداود بالحدادة وعيسى بالصباغة ومحمد برعي الغنم والتجارة.
(كتب مصطفى محمود حول العمل بأن العذاب والكدح في الدنيا للجميع وليس له طبقة معينة وقال:
الذي يسكن في أعماق الصحراء يشكو مر الشكوى لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب.
وساكن الأحياء الراقية في المدينة الذي يجد الماء والكهرباء والسخان والتكييف والتلفون والتلفزيون لو استمعت اليه لوجدته يشكو مرالشكوى هو الآخر من سوء الهضم والسكر والضغط.
والمليونير ساكن باريس الذي يجد كل ما يحلم به يشكو الكآبة والخوف من الأماكن المغلقة والوسواس والأرق والقلق.
والذي أعطاه الله الصحة والمال والزوجة الجميلة لا يعرف طعم الراحة.
والرجل الناجح المشهور النجم الذي حالفه الحظ في كل شيء وانتصر في كل معركة لم يستطع ان ينتصر على ضعفه وخضوعه للمخدر، فأدمن على الكوكايين وانتهى الى الدمار.
والرئيس الذي يملك الأقدار والمصائر والرقاب تراه عبدا لشهوته خادما لأطماعه ذليلا لنزواته.
وبطل المصارعة أصابه تضخم في القلب نتيجة تضخم في العضلات.
كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة رغم ما يبدو في الظاهر من بعض الفوارق .
رغم غنى الأغنياء وفقر الفقراء فمحصولهم النهائي من السعادة والشقاء الدنيوي متقارب، فالله يأخذ بقدر ما يعطي ويعوض بقدر ما يحرم وييسر بقدر ما يعسر.
أما الدنيا فليس فيها نعيم ولا جحيم الا بحكم الظاهر فقط بينما الحقيقة تتساوى الكؤوس التي يتجرعها الكل والكل في تعب .)
العودة الى تجارب الآخرين ليست نكوصا بل تقدم للأمام، فلا تقدم دون معرفة التجارب السابقة واحترامها والانطلاق منها.
مهما دارت الأيام والليالي فكبار السن يبقى حبهم في القلب ولا يوصف، فهم جوهر الحياة وملاذ الوقت، لهم رائحة خاصة، تفكيرهم لا ينحصر على أمر واحد بل يشمل كل شيء، وان كان من أصغر الامور التي لا تلفت انتباهنا.
هم دروس من الماضي أتوا ليعطونا دروسا في الحياة واختباراتها التي لا نملك اجابة لها، فباستطاعتهم تعليمنا ما لم تعلمنا اياه المدارس.
نأخذ منهم الدفء والأمان والحكمة وحسن التصرف، وهم مصدر السعادة والنصائح، فيصنعون الفرحة في قلوب من أحبوهم بصدق لأنهم قطعة ثمينة لا تستبدل بأغلى الاثمان.
يعلموننا التقدم في المستوى الفكري والاخلاقي وتنظيم الوقت حيث يمكن للانسان ان يصل القمة بذلك التنظيم، وبه راحة كبيرة لتحقيق الانجازات التي تجعل من الانسان شخصية قيادية يحتذى بها في المجتمع الذي نعيش فيه.
سأل شخص أحد الفلاسفة ما معنى صديق؟ فابتسم وقال: لوح من زجاج شفاف ترى دواخله، ان مسحت عليه برفق زادت لمعته، ترى فيه شيئا من صورتك، وكأنه يخفي صورتك داخله في خجل، ان كسرته يوما يصعب عليك جمع اشلائه وان جمعته لتلصقه بانت ندوبه. في كل مرة تمرر يدك على الندب ستجرح يدك.
كلما خالطت الناس ازددت يقينا بان الاخلاق مثل الارزاق تماما، هي قسمة من الله، فيها غني وفيها فقير.
حينما اراد الله ان يوصف نبيه، لم يصف نسبه ولا ماله ولا شكله، لكنه قال “وانك لعلى خلق عظيم “
نأخذ مثالا عن اسباب تقدم اليابان فهناك عشرة اسباب عدا الاسباب الاخرى وهي كا يلي :
1-في اليابان تدرس مادة من الاول الابتدائي حتى السادس الابتدائي اسمها طريق الى الاخلاق، يتعلم بها التلاميذ الاخلاق والتعامل مع الناس.
2- لايوجد رسوب من الصف الاول ابتدائي حتى التاسع لأن الهدف هو التربية وغرس المفاهيم وبناء الشخصية وليس فقط التعليم والتلقين.
3-على الرغم من ان اليابانيين من أغنى شعوب العالم، فليس لديهم خدم. فالاب والام والاولاد هم المسؤولون عن البيت ونظافته .
4-الاطفال اليابانيون ينظفون مدارسهم كل يوم لمدة ربع ساعة مع المدرسين والمدير اولهم، مما ادى لظهور جيل ياباني جاد ومتواضع وحريص على النظافة.
5-الاطفال في المدارس يحضرون معهم للمدرسة فراشي الاسنان المعقمة وينظفون أسنانهم في المدرسة بعد الاكل، فيتعلمون الحفاظ على صحتهم منذ سن مبكرة.
6-مديرو المدارس يأكلون من اكل التلاميذ قبلهم بنصف ساعة للتأكد من سلامته لانهم يعتبرون التلاميذ هم مستقبل اليابان الذي يجب حمايته .
7-عامل النظافة في اليابان يسمى مهندسا صحيا براتب 5000-الى 8000 دولار أمريكي بالشهر ويخضع قبل انتدابه لاختبارات خطية وشفوية.
8-يمنع استعمال الموبايل في القطارات والمطاعم والاماكن المغلقة والمسمى في الموبايل لوضعية الصامت كلمة (أخلاق).
9-اذا ذهبت لمطعم بوفيه في اليابان ستلاحظ ان كل واحد لا يأخذ من الاكل الا قدر حاجته ولا يترك احد اي أكل في صحنه.
10-معدل تأخر القطارات في اليابان خلال العام هو 7 ثوان في السنة لانه شعب يعرف قيمة الوقت ويحرص على الثواني والدقائق بدقة متناهية.
هذه الصفات تخلق جيلا نافعا يعمل باخلاص لصالح بلده وامته.
لذا يجب ان نعمل ونستمر بالعمل بكل طاقاتنا ولا نيأس، لأنه اذا استولى اليأس على النفس وتمكن وهيمن فانه يحتاج الى جيش جرار كي يطرده من اماكن استيطانه، ولكن كيف يحكم اليأس قبضته على النفس؟
انه التاريخ الشخصي للأفراد وما مضى من تراكمات وحثالات ونفايات، هذه الرواسب تخوض معارك طاحنة من اجل تثبيت مخالبها في اغوار النفس واقتياد الشخص الى مناطق داكنه، ساخنة، غضة، لا يستطيع النهوض والتخلص منها الا بعمل شاق يقوم به.
فلا شيء مستحيل في الحياة ولا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، طالما يوجد الامل فلا بد من الانتصارعلى كل ما يعرقل حركة الدم في الجسد، ويوقف دورة الديناميكية في النفس.
لا احد لم يمر بمنغصات في حياته، ولا احد لم تضربه شمس المحبطات، ولكن هناك الارادة، فالانسان بالارادة يقهر المستحيل ويعبر المحيط دون تعب.
سئل الخوارزمي عالم الرياضيات عن الانسان فأجاب :
اذا كان الانسان ذا اخلاق …فهو يساوي =1،
واذا كان الانسان ذا جمال …فأضف الى الواحد صفرا=10،
واذا كان الانسان ذا مال …أيضا فأضف صفرا آخر= 100،
واذا كان ذا حسب ونسب …فأضف صفرا آخر = 1000،
فاذا ذهب العدد واحد…وهو الأخلاق …
ذهبت قيمة الانسان وبقيت الأصفار.
المحبطون اجلوا العمل بالارادة وأناخوا بعير التفاؤل، واستراحت عند مضاجع الليل، وماتوا منسلخين عن الواقع مناوئين للحياة،
مناهضين الفرح واصبحت الحياة في عيونهم دوائر ضيقة مغلقة،
والمتفائلون يرون في الحياة منطقة خضراء زاهية، فلذلك فهم يرعون ركابهم في المناطق الخصبة من النفس، فلا يرون ما يعيقهم او يعرقل خطاهم فركابهم ومركباتهم تسير في الدرب الصحيح.
لكي نعمل بحرية دون قيود ونحقق الانجازات فاننا نتساءل هل لحرية الرأي والتعبير حدود، أم انها يجب ان تسبح في فضاء مفتوح ومتاح؟
هل هناك مؤشر ما او مقياس او حدود لها ترسم ملامحها؟ وكيف يمكن قياس ذلك وبأي محددات قيمية وسلوكية واخلاقية تتمتع باعتبارية مقبولة لدى المجتمع على الرغم من التباين على أرض الواقع ؟
مفاتيح العصر الجديد والتي تمثل ثورة في المعلومات والوصول اليها بيسر، هي في حقيقتها ثروة كانت تفتقدها اجيال سبقت، ووسائل التواصل اليوم ربما تشكل جزءا نمطيا من الذوق والمزاج العام وهي تؤثر فيه وتتأثر به.
الطبيعة الانسانية هي جملة من النوازع في التكوين والمضمون، تشاركها اهواء شتى تجعل التباين بين البشر أمرا مقبولا من حيث اختلاف المشارب والامزجة .
كنت في الاسبوع الماضي مع عائلتي في رحلة بحرية في البحر الابيض المتوسط، وعلمت ان العرب حكموا صقلية في ايطاليا مدة 300 عاما وحكموا قبرص وجزيرة مايوركا مدة 300عاما ايضا وحكموا كل اسبانيا وجزء من فرنسا مدة 800 عاما واقاموا حضارة في الاندلس ونقل الغرب عنهم الكثير ولا يزال الاسبان والبرتغال يفتخرون بالحضارة العربية، وعندما تقسموا واصبحوا دويلات انهاروا وزالت دولهم ولم نتعلم ماذا حصل لهم.
قال الشاعر الاندلسي ابن زيدون :
أضحى التنائي بديلا عن تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقا اليكم ولا جفت مآقينا
حالت لفقدكم أيامنا فغدت سودا وكانت بكم بيضا ليالينا
عاش الناس عصورا كثيرة بين تآلف وسلام ،ليترجم الى بناء ورقي وحضارة وعمران ،وبين تنافر واختلاف لتطغى المصالح لتفرض ارادتها وتترجم الى حروب وفوضى ودمار تقضي على الحضارة والبناء ،وكل هذا الصراع لا يزال موجودا بيننا يحمل في طياته كل الخير والاستقرار والسلام، وكل الفوضى والدمار في آن واحد وحيثما استقر الوعي او غاب.
أما الضمائر فهناك ضمائر ميتة قابلة للبيع تجاه فكر او منفعة، وهناك ضمائر حية عصية لاتباع ولا تشترى.
ذهب معظم الفلاسفة والباحثون الى آراء شتى في تحليلاتهم ولكننا نجد هذا التباين موجودا حيثما كان التخلف هيكليا في بنيان المجتمع من تعليم وعدالة اجتماعية وغياب للشفافية، والعداء لكل اسباب التنظيم الاداري، ليكون الفقر والجوع والمرض وتزايد معدلات الامية وتفشي الجهل فهو المطلوب دائما من القوى الاستعمارية التي تحارب تقدم ا لشعوب وعملها بالشكل الصحيح
انشغل الانسان بثرواته الكامنة في باطن الارض عقودا طويلة وربط نفسه بها بين فقر وغنى وتقدم وتأخر ونسي ان الاستثمار الحقيقي يوجد فوق الارض .
القيمة الحقيقية هي الانسان، وهذا ما وعته الكثير من بلدان آسيا وسعت الى تنويع مصادر دخلها معتمدة على ذراع وعقل الانسان وهذا ما استثمرت فيه وسابقت الى الحضارة، ومنذ عقود لم يثنها فقر مواردها الطبيعية ولم تستسلم حيثما استثمرت في العنصر المتبقي لديها والذي يعيش فوق الارض.
اكتشفوا مبكرا أن حرية الرأي والتعبير هي العمل والفكر والانجاز لتترجم رقيا وعدالة وبناء.
الحق في حرية الرأي والتعبير حق اساسي للانسان في اعتناق آراء دون مضايقة الآخرين وله الحق في اكتساب مختلف أنواع المعلومات والافكار وتلقيها ونقلها الى آخرين دونما اعتبار للحدود ويعتبر احدى الدعائم الجوهريه لتكوين مجتمع ديموقراطي.
اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كانك تموت غدا.