رقية القضاة
ويجتاح القلوب حنين جارف لرسول الله صلى الله عليه وسلّم في ذكرى مولده الشريف ،وتذوب كمدا تلك القلوب التي تحمل في طيّاتها اسلام وإيمان ،وقد راعها وأحزنها ما تراه من حال الأمة التي تنهشها أنياب البغي ،وتطعنها حراب الكفر ،وتهدم بنيانها فأس الفرعنة والاستعلاء ،في حرب دائبة الدوران ضروس التصميم ،تنعق في ساحاتها غربان الحقد وتنعب في اطرافها أصوات الطائفية والصليبية والصهيونية ،تمدّها قوى الشرّ المعادية لله وللإنسانية وللحقّ بكل صور الدعم ظاهره وباطنه
وتحنّ القلوب للحبيب وهي تذكر قوله صلى الله عليه وسلّم في مجلس تذكير وإشفاق وفي المجلس ابو هريرة رضي الله عنه ,وهاهو يروي الحديث قائلا:/{ سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول لثوبان : ‘ كيف بك يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم كتداعيكم على قصعة الطعام تصيبون منه ؟ ‘ . قال ثوبان : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أمن قلة بنا ؟ قال : ‘ لا ، أنتم يومئذ كثير ، ولكن يلقى في قلوبكم الوهن ‘ . قالوا : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : ‘ حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال ‘ .
وهانحن يارسول الله نرى قولك الكريم واقعا ملموسا ،فالأمة تصارع اعداء كثر ،غايتهم واحدة هي القضاء على بيضة الدين ،واستئصاله من الوجود ،ووسائلهم لا تنفد ،فتارة هي فكر عفن مأفون ،يشكك في الحق ويهزأبه ،وتارة هي لهو وفسق يتيه فيه العقل وتلهث وراءه القلوب الفارغة وقد تلوّن بالف لون ولون ،وتنمّق بعبارات الزيف ومسمّيات الباطل،وبحر المجون والفساد يمده بحر المكر والفتنة والنفاق، وحينا هي آلة القتل والحرق تعمل في الامة عملها ،تبيد وتفني وتقتل دون حسيب ولا رادع
وتستفيق الأمة بعد سبات وقد علا دخان محرقة اصحاب الأخدود في بورما وميانماروكشمير والهند،وعلا صوت استغاثة مسلمي البوسنة والهرسك ومن قبلهم مسلمي روسيا الذين هجرتهم قوى البلشفية والشيوعية الحاقدة ،وفي آسيا ينبعث لهيب المعارك الطاحنة في حركات التصفية العرقية والدينية ،في الفلبين والصين وتركستان وافغانستان،وهناك الجرح النازف الذي ظل يقطر دما طهورا قرنا من الزمان دون ان تقدر الأمة على نزع الخنجر المغروس في جنبها ،جرح فلسطين الذي يراد منه تركيع الامة وإذلالها وتدنيس مقدّساتها،وقد شرّد أهلها وأسر رجالها وذبح ضعفاءها في أكثر من قرية ومخيّم ،ولكنها تستمر في بطولاتها وصمودها لكي ترفع حرج الإثم عن الامة باسرها
وفي مصر يجري النيل مصبوغا بدماء ابناءه الشهداء اولئك الذين وقفوا بوجه الفساد والبغي ،يقاومون الفراعنةالجدد ،ويهتفون للحرية والعدالة والكرامة ،ولا يعطون الدنية أبدا من دينهم او وطنهم او شرعيتهم ،ويرفضون التسليم والإنهزام والانكسار ،والنيل الطهور يرقب الغد المشرق ،والامة بأسرها ترنوا إلى مصر الكنانة ،وتتطلّع إلى شام العزّة ،وآه للشام ،ولجرح الشام ،حين ظلّت فيها أوجرة الثعالب الطائفية تتجبّر وتعلو وتغلو ،وتعتدي وتقتل وتفرّق ،وتدوس كل القيم الإنسانية والربّانية ،مؤيدة بكل قوة باغية اثيمة ،وأهلها صابرون مصابرون ،والله مع الصابرين
وتهلّ الذكرى يارسول الله ،وأمتك تطرق ابواب الفتح ،تترقّب وعد النصرولحظات التمكين ،تمتشق حسام العزّة والحريّة
والقدس وغزة،تتغنّى بالقرآن وتحمل فيض النور ،تتلمّس درب المجد وتصدح بالتكبير مآذنها ،والفتية أتباع رسول الله ،يمضون سراعا للجنات ،لتحطّ الارواح الجذلى ،بحواصل طير خضر ،تتعلّق بغصون الجنّات ،وقناديلا تغدو تلمع بالنّور تضيء الجنّات،
وتعود الذكرى يا سيد الخلق، وقد اشتاقت لك الأرواح ،وتعاهدت على نصرة سنتك القلوب ،واستيقنت الامة ان العزّة لا تكون إلّا بالإسلام ،وأن النصر مع الصبر ،وانطلقت تعلنها للدنيا ،انّك قدوتنا وحبيبنا وقائدنا ومرشدنا و أننا وعينا درس القرون الماضية ،وانتبهنا بعد غفلة ،فعسى أن نحقق قولك فينا {الخير فيّ وفي امتي إلى يوم القيامة}وعسى أن نكون من الذين معك الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيما }