د. رحيل محمد غرايبة
أصاب جلالة الملك في مقالته أمس مفصلاً مهماً وخطيراً في حديثه عن مواقع التواصل الاجتماعي باعتبار أنها تشكل تحدياً داهما وخطيراً لمجتمعاتنا ؛ فإما أن نجعل منها فرصه مناسبة لزيادة الروابط الاجتماعية بين مكونات المجتمع قوة وصلابة وتماسكاً، وتمتين النسيج المجتمعي، وإما أن تكون وسيلة لتدمير المجتمع وتقطيع الأواصر الاجتماعية وتخريب النسيج المجتمعي عبر نشر خطاب الكراهية ونشر الاشاعات الهدامة وتزييف الحقائق وتضليل العامة.
نحن مقبلون على ثورة رقمية هائلة قادمة لا محالة، وسوف تشكل مرحلة عالمية وانسانية على صعيد الكرة الأرضية والمجتمع الانساني كله، وسوف تصبح أدوات التواصل الرقمي هي الوسيلة الأكثر استخداماً والأشد تأثيراً بين البشر، وسوف تؤدي إلى تغيير هائل وكبير في العلاقات الانسانية، وسوف تؤدي إلى انقلاب جذري في الأعراف والعادات من خلال ما تمتاز به من سهولة النشر والاتصال وسرعة نقل المعلومة، واتساع حجم المعرفة وسهولة انسيابها، مما يجعلنا أمام تحديات ضخمة و هائلة وخطيرة للغاية ؛ تحتاج منا إلى استعدادات كبيرة ومؤتمرات ودراسات وورش عمل وتوصيات وتشريعات وقوانين وضوابط مدروسة بعناية من العلماء والمختصين وأصحاب الخبرة بشكل مسبق( قبل أن يقع الفأس بالرأس ).
وتظهر معالم هذا التحدي الخطير من امتلاكنا جميعاً للهاتف الخلوي الذكي المتصل بالشبكة العنكبوتية الذي يتيح لكل واحد منا اينما كان محل اقامته من ليل او نهار للصغير والكبير على حد سواء امكانية الحصول على المعلومة في وقت قليل جداً، و امكانية التواصل مع جهات عديدة بعيدة وقريبة، وامكانية نشر ما يريد على الشبكة الالكترونية بكل سهولة ويسر، نحن لا نملك حريه الانعزال عن هذه الثورة وحرية الحياد عن مواجهتها والتعامل معها، ولا نملك حجب المعلومة وحجب النشر ومنع التواصل، وانما نستطيع أن نملك إمكانية الضبط والتهذيب والترتيب والتقنين، وإمكانية نشر ثقافة ايجابية لدى أبنائنا في امتلاك شغف الحصول على الحقائق، وإمكانية توظيفها والاستثمار فيها في تطوير ما لدينا من امكانات، وابتهال الفرص، وإذا لم يتم المسارعة إلى وضع استراتيجية عامة و خطط وبرامج رقمية مختلفة ومتعددة قابلة للتطبيق ؛ من أجل امتلاك اسلوب التعامل الصحيح مع هذه الثورة فإننا سوف نتعرض لحالة خطيرة من الضياع والاستلاب الحضاري المدمر.
وعلى صعيد آخر ينبغي وضع التشريعات والضوابط التي تمنع التعسف في استخدام هذه التقنية لالحاق الأذى بالآخرين، ومنع الممارسات الشاذة في نشر الأكاذيب والاشاعات الضارة، دون مصادرة الحريات ودون الوصول الى التطرف في المقابل في خنق حرية الرأي والحيلولة دون ممارسة حق التعبير واطلاق العنان للعقل من اجل الانطلاق في عالم الابداع والابتكار.
يبدو أننا بحاجة ماسة الى إيجاد مؤسسة مختصة تعنى بكيفية التعامل مع الثورة الرقمية الداهمة التي تجتاج مجتمعاتنا، من أجل العمل على جعلها مورداً عظيماً للنماء والتطور والاستثمار الايجابي وليس للتدمير والهدر وقتل الروح الايجابية والفتك بالنسيج المجتمعي.