الدكتور محمد حسين المومني
رد وفد من نقابة المحامین السوریین زیارة نقابة المحامین الأردنیة إلى دمشق. النقیب السوري والوفد المرافق التقوا رئیس مجلس الأعیان ثم النواب. الزیارة تأتي بعد یومین من توجیھ رئیس مجلس النواب عاطف الطراونة دعوة لنظیره السوري للمشاركة باجتماعات اتحاد البرلمانیین العرب الذي سینعقد بعمان مطلع آذار (مارس)، في خطوة ذات مدلول سیاسي متقدم. تصریحات النقیب وعضو مجلس الشعب السوري راعت وصبت بشكل دقیق في مجمل المصالح المشتركة للأردن وسوریة، وھیأت الأجواء لمزید من الثقة المتبادلة المحفزة لتقارب سیاسي واقتصادي أكبر.
المشھد برمتھ یشیر لدور سیاسي ریادي مھم للنقابات ومجلسي الأعیان والنواب. ھذه الأدوار تتماھى بطبیعة الحال مع مصلحة الدولة، ولا أحد یتخیل أنھا كانت ستنفذ لولا الموافقة أو- بالحد الأدنى- عدم اعتراض المؤسسات التنفیذیة المعنیة علیھا. الأردن ما كان لیغامر بمصالحھ مع الأطراف المعنیة بالأزمة السوریة إذا لم یكن لدیھ تقییمات بتحول الأزمة باتجاه یسمح بھامش حركة سیاسي یحافظ على معادلة المصالح الإقلیمیة والدولیة للدولة الأردنیة.
لم یكن متخیلا سماح الأردن بھذا التقارب البرلماني والنقابي قبل عامین أو أكثر عندما كانت دول تربط الأردن مصالح حیویة بھا تقف موقفا حادا من سوریة ونظامھا وما تزال حینھا تتبنى بقوة ھدف إسقاط النظام وتضع رحیل رئیسھ شرطا مسبقا لتغییر مواقفھا. ھذه المواقف تغیرت الآن، وكان من الحكمة أردنیا دراسة واستثمار ھذه التغیرات المرتبطة بالأزمة السوریة، وإسقاطھا على تعقیدات معادلة مصالح الأردن مع الدول ذوات الأیدي المشتبكة بالصراع
السوري.
یتمنى الجمیع أن تكون تصریحات نقیب المحامین السوریین معبرة بشكل دقیق عن سیاسة سوریة الرسمیة، وأن تقرن الأقوال بالأفعال، وأن تدرك سوریة تاریخیة وصدق النوایا الأردنیة تجاھھا، وأن تراعي مصالح الأردن بعودة اللاجئین وتحفیزھم من قبل بلدھم على ذلك بعدم استھدافھم في حال عودتھم.
أرقام عودة اللاجئین السوریین ما تزال متواضعة، ما یدل على عدم جدوى وخوف من العودة، وتبرز الحاجة لتقدیم ضمانات أقوى تزید من رغبة الرجوع للوطن السوري من قبل مواطنیھ الذین ھربوا للأردن طلبا للأمن والعیش الكریم. كما یجب مراعاة حساسیة الدور والتواجد الإیراني في سوریة؛ العلني والخفي، والھواجس الأمنیة المشروعة من ھذا الدور وآثار ذلك على إعادة قبول سوریة إقلیمیا.
استدامة التفاعل النقابي والبرلماني مھم، ویؤسس لثقة متبادلة عمیقة بین الأردن وسوریة على قاعدة فھم المصالح المشتركة، ویبدو من المطلوب، أیضا، خطاب سوري عالي المستوى یظھر الإیجابیة بالتعامل مع الأردن، ویغادر السابق من التشكیك والسلبیة في التصریحات السوریة التي ألبت كثیرین ضد سوریة وراكمت لھا الأعداء واستعدت الجیران والأخوة. یجب عدم تفویت فرصة قبول الانفتاح على سوریة إقلیمیا، وأن تفعل دمشق كل ما في وسعھا لاستثمار ھذه اللحظة، فھي ما تزال بحاجة لإسناد إقلیمي كبیر لسنوات حتى تعید إعمار ما دمرتھ الحرب.