على الرغم من مرور أربعة أيام على انفجار مرفأ بيروت المدوي، إلا أن عائلات المفقودين لا تزال ترابط المكان أملا في معرفة مصير ذويها، فبعضها يرابط أمام مرفأ بيروت منذ اليوم الأول للانفجار.
ووسط أكوام من حبوب الذرة، يوجه عمال إنقاذ رافعة كبيرة في موقع الانفجار في مرفأ بيروت لتمهدّ لهم الطريق إلى غرفة تحكم يرجّح وجود عالقين فيها، على أمل أن يكونوا على قيد الحياة.
بعد ثلاثة أيام على وقوع الانفجار الذي بدّل في ثوان معدودة وجه مدينة بيروت، يسابق عمال الإنقاذ الوقت في محاولاتهم المستميتة للوصول إلى ناجين تحت أنقاض المرفأ الأكبر في لبنان.
من “نقطة الصفر”، حيث انطلقت شرارة فاجعة شبهها كثر بالقصف النووي على هيروشيما وناكازاكي في 1945، يبحث عمال إغاثة من لبنان وفرنسا وألمانيا وروسيا ودول أخرى عن مدخل لغرفة تحكم باتت مدفونة على عمق أمتار تحت الأنقاض.
يقول المقدم أندريا من فريق الإغاثة الفرنسي (55 عاماً) لوكالة فرانس برس “علينا ألّا نوهم أنفسنا، الفرص ضئيلة جداً”، لكن في الوقت ذاته أظهرت تجارب عديدة أنه من الممكن انتشال ناجين “بعد ثلاثة أو أربعة أيام”.
وأوقع الانفجار الذي حوّل أحياء عدة في بيروت إلى ساحات خردة، 154 قتيلاً وأكثر من خمسة آلاف جريح في حصيلة قد ترتفع أكثر لوجود عشرات المفقودين الذين قد يكونوا لا يزالون عالقين تحت أنقاض المرفأ أو ركام منازلهم.
ويوضح أندريا أن الجهود في المرفأ تتركز حالياً على غرفة التحكم حيث يُعتقد أن عدة أشخاص كانوا يعملون لحظة وقوع الانفجار، مشيراً إلى أن انفجارات صغيرة سبقت الانفجار الكبير قد تكون دفعتهم إلى الفرار من الغرفة.
ويشير إلى أنه “تم انتشال أربع جثث من المنطقة وُجدت قرب سلم الخروج عند مدخل الإهراءات”.
وتناثر 15 ألف طن من القمح والذرة والشعير من إهراءات مرفأ بيروت التي تكبدت أضرارا جسيمة مع الطاحونة القريبة منها وانهارت أجزاء كبيرة منها.
يُخيّم صمت ثقيل على الموانئ التي كانت تكتظ في الماضي بالبواخر المحملة بالبضائع، لكنها باتت اليوم خالية وقد غرقت أو تضررت سفن عدة فيها.
ولا تزال الشحنات المرمية من كل جانب شاهدة على مرفأ كان يُعد سابقاً وجهة الاستيراد الأولى للبنان، من كتب دراسة فرنسية وحقائب فخمة، وسكر وزجاجات جعة.
تبدو معالم الصدمة والحيرة على أوجه ثلاثة متطوعين من الصليب الأحمر اللبناني، يسيرون بين الركام قبل أن يتوقفوا عند البحر ليلقوا نظرة على ما حلّ بمدينتهم.
ويقول أحدهم، واضعاً يديه على خصره، “تبدو هادئة جداً، لكنه هدوء سيء. ثمّة شيء مات في المدينة ولا يبدو أنه سيستفيق مجدداً”.
لا يبلبل الصمت في مرفأ بيروت سوى ضجيج الرافعات التي تزيل الركام، والمناشير الضخمة التي تقطع الحديد.
ويشرح قائد فريق الدفاع المدني الفرنسي الكولونيل تيسييه، الذي سبق أن عمل في مواقع كوارث عدة في العالم، أن “الخصوصية هنا هي أن مركز الزلزال في الموقع تماما، على مسافة أمتار قليلة منا، في حين تكون مراكز الزلازل عادة على عمق مئات الأمتار تحت الارض”.
ويوضح أنه عند حصول زلزال “عادة ما تنهار الأشياء في طبقات… أما هنا فكل شيء دُمّر”.
ويعني ذلك أن على الآليات الضخمة أن تحفر في جبال من الركام قبل الوصول لما هو مدفون تحتها.
ويقول أندريا إن “نقطة الصفر” في مرفأ بيروت تعيد إلى الذاكرة انهيار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك جراء اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001.
ويوضح أن “حجم الدمار يذكر عناصر فريقنا بزلزال هاييتي في 2010” مضيفا “الفرق هنا، ان ما حصل ليس ناجماً عن زلزال بل عن عمل بشري”.(ا ف ب/ فرانس 24)